وتوجد أشياء كثيرة موجودة حسا غير مرئية كنسخ الظل الشمسي وأعمدة المهواية وشبهها عند سرعة دورانها، وكذلك الهواء موجود غير مرئي والقوى الكهربائية موجودة غير مرئية. ثم قال الخبيث «إِنِّي أَخافُ اللَّهَ» لأنه ظن عليه اللعنة أن القيامة قامت لعلمه أن جبريل ينزل فيها هو والملائكة، ولذلك أردف قوله بما ذكر الله «وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤٩) » وقد كذب أول الآية وصدق آخرها، ولهذا لما رجعت قريش إلى مكة قالوا هزم الناس سرافة، فجاءهم وقال لهم والله ما شعرت بمسيركم حتى بلغني هزيمتكم، فقالوا له أما أتيتنا وقلت لنا ونحن بمكة أنا جار لكم ثم هربت؟ فقال والله ما جئتكم بالأولى ولا في الثانية. ولما أسلم من بقي منهم عرفوا أنه إبليس. أخرج مالك في الموطأ عن طلحة بن عبد الله ابن كرزان أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ما رئي الشيطان يوما هو أصغر ولا أغيظ منه في يوم عرفة، وما ذاك إلا لما يرى من نزول الرحمة وتجاوز الله تعالى عن الذنوب العظام إلا ما رأى يوم بدر، فإنه قد رأى جبريل يزع الملائكة. أي يسوي صفوفهم ويصلحها فيأمر هذا أن يتقدم وهذا أن يتأخر. وسبق أن ذكرنا أنه كما تتصور الملائكة بصور البشر فكذلك الشياطين، وان النفس الباطنة لم تتغير ولا يلزم من تغيير الصورة تغيير الحقيقة. وليعلم أن ذكر الله تعالى في مواطن الشدة لا سيما في حالة الجهاد من أقوى الأدلة على محبته تعالى الصادقة التي لا يشوبها شيء، لأن فيه السكينة، قال تعالى (أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ) الآية ٣١ من سورة الرعد الآتية، ومتى اطمأن القلب زال عنه دواعي الخوف فضلا عن أنه دليل المحبة لأن من أحب شيئا أكثر ذكره في كل حال ألا ترى قول عنترة:
ولقد ذكرنك والرماح نواهل ... مني وبيض الهند تقطر من دمى
فوددت تقبيل السيوف لأنها ... بوقت كبارق ثغرك المتبسم
وهو أبلغ ما قيل في هذا المعنى بالنسبة لمقام القول، وفي مقام المحبة تراكضت أرواح العاشقين وتفانت في ميدان أشباح السالكين، حتى قال قائلهم:
ولو خطرت لي في سواك إرادة ... على خاطري سهوا حكمت بردتي