وقد عدوا الموت في الحب من الجهاد الأكبر، لأن الحياة الحقيقة التي فيها الوصال تعقبه، قال ابن الفارض أيضا:
ومن لم يمت في حبه لم يعش به ... ودون اجتناء النحل ما جنت النحل
وقد حسنوا التذلل في هذا الباب وعدوّه من أسباب الوصال مع أنهم لم يعرفوا التذلل إلا لله فقالوا:
ويحسن إظهار التجلد للعدا ... ويقبح إلا العجز عند الحبائب
وقالوا إن من صفات المحبين الخضوع وإنكار النفس حتى بالغ بعضهم فقال:
مساكين أهل العشق حتى قبورهم ... عليها تراب الذل دون الخلائق
وفي رواية بين المقابر، واختلفوا في وصفه ومحله من الجسد، وقيل في ذلك:
يقولون إن الحب كالنار في الحشى ... ألا كذبوا فالنار تذكو وتخمد
وما هو إلا جذوة مس عودها ... ندى فهي لا تذكو ولا تتوقد
وقالوا في ذم من لم يحب:
إذا أنت لم تعشق ولم تدر ما الهوى ... فكن حجرا من يابس الصخر جلمدا
وقدمنا في الآية ٦٧ من سورة الزخرف ج ٢ ما يتعلق بالمحبة فراجعها.
واذكر يا سيد الرسل لقومك «إِذْ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ» من أهل المدينة «وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ» شك وريبة إذ لم يقو الإسلام في قلوبهم ولم تتشرب بشاشة الإيمان فيها لما رأوا قلتكم عند ذهابكم لقتال المشركين في بدر قال بعضهم لبعض «غَرَّ هؤُلاءِ دِينُهُمْ» صدق إيمانهم بالله وحملهم على ما لا طاقة لهم به من لقاء عدوهم لأن عددهم وعددهم أكثر وأقوى، فقد هفوا ولم يعلموا أن توكلكم على ربكم لا على قوتكم وكثرتكم «وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ» ويثق به «فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ» لا يغلب من يتوكل عليه «حَكِيمٌ (٤٩) » لا يسوّي بين أحبابه وأعدائه فإنه ينصر أولياءه على قلتهم، ويخذل أعداءه مع كثرتهم مهما كان عددهم وعددهم، لأنهم طلبوا النصر منه وحسنوا ظنهم فيه وأيقنوا بالإجابة منه والله عند حسن ظن عبده به. قال تعالى معجبا رسوله صلّى الله عليه وسلم مما يقع على الكافرين عند الموت من البلاء والشدة «وَلَوْ تَرى» يا أكمل الرسل «إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ