مكرهم و «هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ» فأعزك وقواك «بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) » باطنا وظاهرا وبالمهاجرين والأنصار «وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» بعد ما كانوا عليه من الخلاف والعداء والبغضاء تأليفا بليغا بحيث «لَوْ أَنْفَقْتَ» لابتغائه كما كان وحصل «ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ» مثل هذا التأليف الجامع «وَلكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ» برحمته وجمع كلمتهم بقدرته وأماط تباغضهم وتماقنبهم بفضله «إِنَّهُ عَزِيزٌ» غالب على ما يريده قوي على أعدائه «حَكِيمٌ ٦٣» بصنعه. وذلك أن بعثة الرسول فيهم قلبت الأنفة التي بينهم، وعظمة بعضهم، على بعض، وعصبية بعضهم مع بعض، وحسدهم، وأضغانهم في بعضهم لطما ولينا ورقة وسهولة وصفاء ومودة، كيف لا وهم صباح مساء يتمتعون بأنواره البهية، ويأخذون من أطواره المرضية، فتهذبوا وتلطفوا وتطهرت قلوبهم فتآخوا فيما بينهم وطابت قلوبهم. قالوا وكان إذا لطم رجل منهم آخر قاتلت عنه قبيلته حتى يدركوا آثارهم، وبعد ما جاءهم الرسول اتفقوا على طاعة الله، وتركوا ما كان بينهم، وصاروا من أنصار الله ورسوله، وصاروا عظماء ألفاء أقاموا الدين والدنيا، ولكن مع الأسف الآن ترى عظماء الرجال كالنيازك يضيئون العالم برهة ثم يحترقون، فلا حول ولا قوة إلا بالله، قال تعالى «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ»(٦٤) عن كل أحد فصالح إذا صالحوا وقاتل إذا قاتلوا ولا نخش كيدا ولا غيره لأن الله ناصرك ومؤيدك عليهم وقاهرهم وخاذلهم «يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ» من أعدائهم «وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ» صابرة «يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ ٦٥»
ما أعد الله للمجاهد إذا قتل في سبيله مسلما، وفي هذه الآية الكريمة حث على الصبر عند لقاء العدو والثبات بأن يقابل المؤمن عشرة من الكافرين ويقاتلهم لأنهم لا يفهمون من نتيجة الحرب إلا الغلب، ولا يقاتلون إلا حمية وأنفة، وليقال إنهم قاتلوا، ولا يعتمدون إلا على أنفسهم، والمؤمنون يقاتلون لإعلاء كلمة الله ونصرة دينه ويبتغون لقاء الله وإنجاز وعده وهو الثواب والسعادة