في الدنيا والشهادة والجنة في الآخرة، لهذا يجدر بهم أن يصبروا على لقاء الجماعة، لأنهم يعتمدون على معونة الله الذي لا يغلبه غالب ولا يلحقه طالب. وهذه الآية من الأخبار التي لا يدخلها النسخ، ومن قال بنسخها قال إن الإخبار فيها من قبيل الأمر. وعدها منسوخة بقوله تعالى «الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً» بأن لا يقدر الواحد على العشرة، ولا يستطيع الصبر على الثبات أمامهم ولا يمكنه الفرار لعدم جوازه ولشدة العقاب المترتب عليه، فخففه الله بقوله «فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ» على القتال «يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ» من الذين كفروا «وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ (٦٦) » وهذا التخفيف من لطف الله بالمؤمنين، بأن جعل عليهم لزاما مقابلة الواحد للاثنين من أعدائهم والصبر على مقابلتهما وعدم جواز الهرب من أمامهما، ولكن الأحرى لهذا القائل بالنسخ أن يعدل إلى القول بأن الآية الثانية جاءت مخففة مخصصة للأولى ومقيدة لحكمها لا ناسخة لها، وعليه فلا حاجة لأن تقول إن الخبر هنا بمعنى الأمر من حيث لا دليل عليه، وقد أسهبنا البحث في هذه الآية في المقدمة في بحث الناسخ والمنسوخ فراجعها تعلم مغزى تسمية الله تعالى تخفيفا وأن لا يسوغ لنا أن نسميه نسخا، روى البخاري عن ابن عباس قال: لما أنزلت (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ) الآية كتب عليهم أن لا يفر واحد من عشرة ولا عشرون من مئتين، ثم نزلت (الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ) فكتب
أن لا يفر مئة من مئتين، وفي رواية شق ذلك على المسلمين. ومن هنا قال من قال بالنسخ، مع أنه لا نسخ والآيتان محكمتان لقوي الإيمان قوي الجنان بأن يثبت ليس للعشرة فقط بل لأكثر وأكثر، وللضعيف فيهم أن لا يفرّ من الاثنين، وكم من ضعيف قلبه ضعيف إيمانه يفر من الصغير، وكم من قوي قلب قوي إيمانه يقابل الكتيبة وحده. وهذا مما لا ينكر قبل والآن وبعد كما هو ثابت بالتواتر حتى في زماننا هذا، مع وجود البنادق والرشاشات وغيرها، فكيف فيما كان الأمر مقتصرا فيه على السيف والرمح والنبل، وكيف بشاكي السلاح والأعزل قال تعالى «ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ