أي يكثر القتل والأسر ويبالغ فيهما حتى تذل له العصاة دون قتال وتطأطئ رؤسها إليه الكماة دون جدال، وتكسر شوكة المناوئين له، وتستسلم المجرمون لهيبته، ثم يقبل الفداء، ولهذا عاتب الله تعالى رسوله وأصحابه على قبولهم الفداء لأول أمرهم وبداية نصرهم في هذه الآية. ثم طفق يؤنب فعلهم بقوله «تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا» الفاني الزائل البالي «وَاللَّهُ يُرِيدُ» لكم شرف «الْآخِرَةَ» الدائم الباقي ويريد رفع شأنكم بإعزاز الإسلام والإغلاظ على الكفرة «وَاللَّهُ عَزِيزٌ» بالغ العزة والعظمة لو شاء لغلبهم دونكم بتسليط جند من جنوده عليهم «حَكِيمٌ (٦٨) » بالغ الحكمة في تسلطكم على نفيرهم الكثير مع قلتكم عددا وعددا لأمر يريده، وإلا لسلطكم على العير الذي كله دنيا، وأغناكم به عن الفداء وغيره وصرفكم عن النفير الذي فيه الدنيا والآخرة. فاعلموا أيها المؤمنون «لَوْلا كِتابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ» بأنه لا يعذب أحدا باجتهاده في الحق «لَمَسَّكُمْ فِيما أَخَذْتُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ»(٦٨) لا يقاوم ولا يطاق، لأن أخذ الفداء قبل أن تعظم الهيبة في قلوب الأعداء وقبل أن تفشو القسوة عند سائر الناس لا يليق الإقدام عليه. ومن هنا قالوا: المجتهد إذا أصاب له أجران، وإن أخطأ له أجر واحد. ولهذا لم يؤاخذ الله رسوله وأصحابه الذين أشاروا عليه بأخذ الفدية لخلوص نيتهم ولرعايتهم الأصلح باجتهادهم، إذ رأوا بالفدية صد حاجة المجاهدين واستبقاء المفديين أملا بإسلامهم.
قال محمد بن إسحاق لم يكن من المؤمنين أحد ممن حضر بدرا إلا أحب الفدية إلا عمر بن الخطاب، فإنه أشار على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بقتل الأسرى وسعد بن معاذ فإنه قال يا رسول الله كان الإثخان في القتل أحبّ إلي من استبقاء الرجال، فقال صلّى الله عليه وسلم لو نزل عذاب من السماء ما نجا منه إلا عمر وسعد بن معاذ. وأخرج مسلم في افراده من حديث عمر بن الخطاب قال ابن عباس لما أسروا الأسارى، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لأبي بكر ما ترون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر يا رسول الله هم بنو العشيرة أي إن تأخذ منهم فدية يكون لنا قوة على الكفار، فعسى الله أن يهديهم للإسلام، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلم ما ترى يا ابن الخطاب؟
قال قلت لا والله يا رسول الله ما أرى الذي رأى أبو بكر، ولكن أرى أن