وعليه فإن من ادعى محبة الله وخالف سنة رسوله كان كاذبا في دعواه، لأن من أحب حبيبا أحب من يتصل به، حتى داره وكلبه، وقال العامري:
أمر على الديار ديار ليلى ... أقبل ذا الجدار وذا الجدارا
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
هذا وبعد أن بين الله تعالى لعباده طريق الظفر بمحبته وسبيل نيل رضوانه، أراد أن يبين لهم بعض من اصطفى من عباده فقال عز قوله «إِنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْراهِيمَ» إسماعيل وإسحاق ويعقوب «وَآلَ عِمْرانَ» موسى وهارون وأولادهم أو مريم وعيسى إذ قد يكون المراد بعمران والد مريم والأول أولى والله أعلم، واختارهم لذاته «عَلَى الْعالَمِينَ»(٣٣) من أهل زمانهم وهذان الآلان النجيان كانا «ذُرِّيَّةً بَعْضُها مِنْ بَعْضٍ» على دين واحد وعقيدة واحدة «وَاللَّهُ سَمِيعٌ» لمن يدعوه بنية خالصة «عَلِيمٌ»(٣٤) بمن يؤهله لهذا الاصطفاء، لأنه أعلم حيث يجعل رسالته. قال ابن عباس: قالت اليهود نحن من ذرية إبراهيم وإسحق وعلى دينهم، فأنزل الله هذه الآية ترد عليهم بأن الله اصطفى هذه الذرية للإسلام وإبراهيم كان مسلما، فلستم من ذريته ما دمتم على يهوديتكم. واذكر يا سيد الرسل لقومك وأمتّك «إِذْ قالَتِ» حنّة بنت فاقوذ «امْرَأَتُ عِمْرانَ» بن باثان أحد رءوس بني إسرائيل، قالوا كان بينه وبين عمران والد موسى ألف وثمنمئة سنة، ومقول القول «رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً» عتيقا خالصا لعبادتك لا أسفله بشيء من أمور الدنيا «فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ» لدعائي «الْعَلِيمُ»(٣٥) بنيتي وحقيقة نذري «فَلَمَّا وَضَعَتْها قالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ» بأن هذه الأنثى خير من كثير من الذكور لما سيكون منها إلا أنه كان متعارفا عندهم أن الأنثى لا تصلح لخدمة الكنيسة، لذلك قالت ما قالته على سبيل الاعتذار «وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى» في جواز تحريرها وصلاحيتها للنبوة «وَإِنِّي سَمَّيْتُها مَرْيَمَ» ومعناه الخادمة والعابدة «وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها» أعيذها بك يا رب «مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ»(٣٦) وأحصنها