إلى عدم استبعاد الإجابة ولو كانت محالا إذ لا محال على الله، وعلى الداعي أن يربط قلبه بالأسباب الظاهرة، لأن الله يعطي بلا سبب ويمنع بلا سبب، ومن السخف ما جرى على ألسنة الجهلة من قولهم قال الله (وجعلنا لكل شيء سببا) مع أن الله لم يقل هذا في كتابه، فهو كذب على الله وإنما قال في سورة الكهف (وَآتَيْناهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً) يعني ذا القرنين الآية ٨٤، وترمي إلى أن الله تعالى إذا اختار أحدا من خلقه رفع قدره وحفظه وعمل على يده العجائب، وان الاصطفاء مهما كان لنبي أو وليّ لا يسقط عنه التكليف كما يزعمه بعض الجهلة المتصرفة بل قد يزيد عليه من التكاليف الشرعية لتزداد رغبته وتعلو رتبته عند ربه، إذ ليس أحد في غنى عن الكمال الأنبياء فمن دونهم، كما ليس لأحد أن يستغني عن الإكنار من الطاعة. ثم طفق جل شأنه بعدد ما أنعم به على مريم فقال يا سيد الرسل اذكر لقومك «إِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ» كون منها ولدا بلا بعل «اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ» أي معروف بهذه الجملة، وأصل عيسى يشوع إذ لا سبن في اللغة العبرية ولهذا يسمون موسى موشى والمسيح مشيح ومعناه الصديق الذي تمس يده ذوي العاهات فتبرئهم.
أما تسمية الدجال مسيحا لأنه ممسوح العين اليمنى كذاب يخرج آخر الزمان فينزل عيسى إذ ذاك من السماء فيقتله، وكان السيد عيسى عليه السّلام في زمنه صديقا كاسمه ولا يزال «وَجِيهاً» ذا جاه سام ورفعة عالية وقدر كريم وسماة شريفة ووجاهة عالية «فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ»(٤٥) عند الله، وفيها إشارة إلى رفعه إلى السماء كما سيأتي بعد عشر آيات، ومن خصائصه أنه معظم عند ربه «وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ» قبل أو ان كلام مثله راجع الآية ٢٠ من سورة مريم فى ج ١ إذ تكلم ببراءة أمه مما رميت فيه وهو رضيع قريب عهد بالولادة «وَكَهْلًا» بإنذارهم وبشارتهم إذ يرسله الله بعد إكمال الثلاثين من عمره، والكهل من اجتمعت قراه وكمل شبابه وتجاوز الثلاثين من عمره. قال ابن قتيبة أرسل عيسى لثلاثين من عمره ودعا الناس إلى الله ثلاثين شهرا أو ثلاث سنين على قول وهب بن منبه، ثم رفع إلى السماء «وَمِنَ الصَّالِحِينَ»(٤٦) كإبراهيم وبنيه