للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الإرادة الإلهية بوجوده، وان ارتباط الأسباب بالمسببات التي بلغو الناس فيها لا تأثير لها بنفسها من دون الله تعالى بل التأثير كله منحصر بقدرته، وما نراه من الارتباط في الظاهر لا يقيد سلطة الله ولا يمنع من تنفيذ إرادته، وإن تغيير الشرائع وخرق العادات وتعطيل الأسباب من الدلائل على كمال القدرة، لأن من يضع نظاما يقدر على تعديله، ويملك نقضه، وان ما يقع من التعديل والنسخ لبعض الأحكام هو في مصلحة البشر بما يوافق عصرهم ويلائم حالهم. قال تعالى «فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ» من اليهود «الْكُفْرَ» به رمحاولة قتله وحان وقت رفعه إلى ربه بإخبار الله تعالى إياه «قالَ» لأصحابه الملازمين له «مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللَّهِ» والوصول إلى طريقه وإعمار دينه ليقوم بعدي بهدي الناس وإرشادهم على حسب تعاليمي التي تلقينها من ربي؟ «قالَ الْحَوارِيُّونَ» جمع حواري بمعنى صاحب «نَحْنُ أَنْصارُ اللَّهِ» وجنوده لإعلاء كلمة الله لأنا «آمَنَّا بِاللَّهِ» وحده واتبعناك بما جئت به من لدنه «وَاشْهَدْ» علينا أيها الرسول المتولي «بِأَنَّا مُسْلِمُونَ» (٥٢) لله منقادون لأوامر وممتنعون عن نواهيه، وأنا سنسير بسيرتك وننشر تعاليمك للناس ونبذل جهدنا في نصحهم ما استطعنا. وقالوا «رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ» من أحكام التوراة والإنجيل «وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ» الذي أرسلته إلينا وهو عيسى، لأن الألف واللام للعهد ولا معهود هنا غيره إذ ذاك «فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ» (٥٣) لك بالواحدية والوحدانية ولرسولك بالتصديق والانقياد «وَمَكَرُوا» اليهود أي اختالوا للقبض عليه وقتله تخلصا منه وحبا ببقاء الرياسة لهم وهو لا يريدها عليه السلام وإنما يريد صلاحهم «وَمَكَرَ اللَّهُ» جازاهم على مكرهم حين دلهم عليه حواريه المنافق يهوذا الأسخريوطي ليغتالوه في البيت الذي هو فيه مع بقية أصحابه، فأوقع شبهه على المنافق المذكور ورفعه من بينهم إلى السماء، فألقوا القبض على يهوذا وأوثقوه على ظن منهم أنه هو المسيح، فصار يصيح أنا الذي دللتكم عليه أنا لست المعلم يعني عيسى، إذ كانوا يسمونه معلما ولات حين مناص، لأن الله تعالى إذا عمل شيئا كان عمله كاملا من كل وجه، ولذلك فإن كل من رآه قال هذا عيسى بعينه حتى حوارييه وحتى أمه، ولذلك

<<  <  ج: ص:  >  >>