عباده إلى الآن وإلى ما بعد حتى يأتي الله بقيام الساعة. هذا وان حضرة الرسول بعد أن صدع بأمر الله بما أنزل إليه من عنده تمنى لو أن ربه يمن عليه بإيقاع الهدى في قلوب خلقه لينقادوا إليه فيما يأمره وينهاه، فرد الله تعالى على ما وقع في قلبه وهو العالم بذات الصدور بقوله عز قوله «كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ» ببعثتك وتوقعهم ظهورك اتباعا لما وجدوه في كتبهم «وَشَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ» أي أنك صادق بدعواك الرسالة عند ما ظهرت لهم البشائر بها وانطبقت عليك الصفات المذكورة في كتبهم «وَجاءَهُمُ الْبَيِّناتُ» على صدق نبوتك، وإنما ساءهم أنك لست منهم وخافوا أن يحرموا الرياسة فعدلوا عن قبول الهدى الذي جئتهم به فظلموا أنفسهم قصدا «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(٨٦) أنفسهم ببيعهم الآخرة بالدنيا اختيارا، وقد قضت سنة الله أن لا يهدي من يعرض عن الهدى برضاه ولا يهدي إلا ذوي النفوس الطاهرة والنية الخالصة، أما هولاء الذين ألفوا الكبر والإصرار على الكفر فلا سبيل لهدايتهم «أُولئِكَ» الذين هذه صفتهم «جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ»(٨٧) وان مأواهم النار «خالِدِينَ فِيها» مع هذه الفظيعة المفضية للطرد من رحمة الله «لا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ وَلا هُمْ يُنْظَرُونَ»(٨٨) يؤخرون عن وقته «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ» الارتداد والكفر وندموا على ما وقع منهم وآمنوا وأخلصوا «وَأَصْلَحُوا» عملهم بالتوبة النصوح «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ» لهم «رَحِيمٌ»(٨٩) بهم وبجميع عباده وخاصة من يتوب ويحسن توبته. نزلت هذه الآيات في الحارث بن سويد الأنصاري وطعمة بن أبيرق وجموح بن الأسلت ورفقائهم التسعة الذين ارتدوا عن الإسلام وخرجوا من المدينة إلى مكة كفارا، وقد ندم أحدهم وهو الحارث وأرسل لحضرة الرسول بقبول توبته.
وآخر هذه الآيات عام في جميع الكفرة المرتد منهم وغيره، وهذه آخر ال ٨٩ آية من هذه السورة التي نزلت في وفد نجران ومحاججتهم مع اليهود ومجادلتهم مع حضرة الرسول وما تفرع عن ذلك، ولبعضها أسباب أخرى لصلاحيتها لها، لأن السبب الواحد قد يكون لأغراض كثيرة تنطبق عليها، كما أن بعضها تكون عامة