الله إن من وجب عليه القصاص أو الحد لا يستوفى منه فيه ما زال ملتجئا إلى الحر.
ولكنه لا يطعم ولا يبايع ولا بشارى ويضيّق عليه حتى يخرج منه ليقنص من لئلا تتعطل الحدود، أما إذا قتل أو سرق بالحرم فيستوفى منه الحدّ فيه عقوبة له لخرقه حرمة الحرم في الحرم بخلاف الأول، وهذا هو الحكم الشرعي في هذا وقال بعض المفسرين إن معنى آمنا أي من العذاب مطلقا وهو محمول على أنه إذا لم يقترف ما يستوجب العقوبة بعد حجة مما يستدل به على قبول حجة، أما من كانت حالته قبل الحج أحسن من بعده فلا، لأن ذلك دليل على عدم القبول أجارنا الله من ذلك. تشير هذه الآية إلى أن هذا البيت وضعه الله لجميع خلقه وأوجب الأمن لمن دخله منهم أجمع وعم بركته فيهم، فمن آمن واتقى فقد فاز بخير الدنيا والآخرة، ومن أعرض فأمره إلى الله، يدل عليه قوله «وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ» فلم يخص فيه أحدا، بل أوجب فرض زيارته على جميع خلقه، ولم يستثن أحدا إلا العاجز، إذ أبدل من عموم لفظ الناس «مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا» لأن الله تعالى لا يكلف غير المستطيع لقوله (وَما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) الآية الأخيرة من سورة الحج الآتية، وما قاله بعضهم من (من) فاعل لكلمة حج لا وجه له ولا عبرة فيه، إذ يكون المعنى أن الناس كلهم مكلفون بإقسار المستطيع على فعل الحج، وهذا غير معقول، إذ لا تزر وازرة وزر أخرى. وتفيد اللام في لله وعلى بعدها التأكيد والتشديد على فعل الحج والحكم الشرعي وجوبه على المستطيع مرة في العمر. روى مسلم عن أبي هر قال: خطبنا رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال أيها الناس قد فرض الله عليكم الحج فحجو فقال له رجل أفي كل عام يا رسول الله؟ فسكت حتى قالها ثلاثا، فقال لو قلت نعم لوجبت ولما استطعتم. والقيد بالاستطاعة ينفي الوجوب على غير المستطيع لعموم القدرة على ما يوصله إليه وعدم وجود ما يكفيه وأهله مدة ذهابه وإيابه أو لعدم أمن الطريق، وما جاء عن ابن عمر في حديث الزاد والراحلة لم يثبت، ليس بمتصل وسنده فيه إبراهيم بن زيد الجوزي متروك الحديث، وقال يحيى معين إنه ليس بثقة، وكذلك ما جاء عن علي كرم الله وجه لأن في إسناده مقالا