للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أظهركم، وقد أكرمكم الله بالإسلام وقطع أمرهم عنكم، وألف بينكم، أترجعون إلى الكفر! الله الله، فوقع كلامه فيهم موقعا بعيدا وزاح عنهم ما بينهم وعرفوا أنها نزعة شيطانية قام بها أعداؤهم اليهود، فألقوا السلاح وتعانقوا، وتباكوا ورجعوا مع حضرة الرسول سامعين مطيعين. قال جابر فما رأيت يوما أقبح أولا وأحسن آخرا من ذلك اليوم، وأنزل الله الآية المارة وأعقبها بقوله جل قوله «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ» (١٠٢) وهذه الآية محكمة لأن من التقوى قيام العبد بأداء ما يلزم بقدر طاقته لا أنه يأتي بكل ما يجب عليه لله ويستحقه، لأنه مما يعجز البشر عنه، ولذلك قال بعض المفسرين إن هذه الآية منسوخة بآية التغابن عدد ١٦ وهي قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) بل هذه الآية مفسرة لها لا ناسخة ولا مخصصة، فمن اتقى الله جهده فقد اتقاه حق تقواه فضلا عن أنه يوجد من الكاملين من يتق الله حق تقواه، إذ يصرف كل زمنه في عبادته والتفكر بآلائه ومصنوعاته ويتداوى بعبادته ويقول فيها:

إذا العبادة لم تنقذك من وصب ... كلا لعمري لم تشفك الأطباء

قال تعالى «وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ» الموصل إليه وهو القرآن الآمر بالألفة والمودة والمفضي لدخول الجنة «جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا» كاليهود والنصارى الآن وكما كنتم زمن الجاهلية على اختلاف ألوانكم وأجناسكم «وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْداءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْواناً» كما كنتم قديما لأن أوس وخزرج أخوان شقيقان، فلما تناسلوا وكثروا وقع بينهم الخلاف فتعادوا بسبب حسد بعضهم بعضا ووضع بينهم العداء، وإذا وقع الخصام بين الأقارب كان قويا ولهذا قيل:

وظلم أولي القربى أشدّ مضاضة ... على المرء من وقع الحسام المهند

ولهذا يذكر الله تعالى بحالتهم الأولى وما آبوا إليها بقوله «وَكُنْتُمْ» قبل الإسلام اشتد بينكم الخصام حتى صرتم «عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ» ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلا أن تموتوا على كفركم «فَأَنْقَذَكُمْ» الله «مِنْها»

<<  <  ج: ص:  >  >>