ربكم «وَأَمَّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهُمْ» بإيفائهم العهد وقيامهم بما أمروا به واجتنابهم لما نهوا عنه «فَفِي رَحْمَتِ اللَّهِ هُمْ فِيها خالِدُونَ»(١٠٧) لا يتحولون عنها أبدا، والمراد بالرحمة هنا الجنة «تِلْكَ» حالة الفريقين يوم القيامة هي «آياتُ اللَّهِ» القاضية بذلك «نَتْلُوها عَلَيْكَ» يا سيد الرسل «بِالْحَقِّ» كما أنزلت بالحق لتتلوها على قومك ليأخذوا بها ويحفظوا أنفسهم من عاقبة يوم القيامة فيقوها من الظلم بالدنيا «وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعالَمِينَ»(١٠٨) بإركاسهم في النار وإنما هم يسببوه لأنفسهم ويريدون ظلم غيرهم بإعراضهم عن الأخذ بآيات الله «وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ»(١٠٩) فيقضي بها وحده بالعدل. واعلم أن اسوداد الوجه يحصل للكافر من شدة ما يلاقي من الهول، قال الشاعر:
ومن الحدثان نسوة آل سعد ... بمقدار سمدن له سمودا
إلى أن قال:
فرد شعورهن السود بيضا ... وردّ وجوههن البيض سودا
كما أن ابيضاض وجه المؤمنين يحصل من السرور العظيم الذي يرونه فتبتهج وتنبسط، وقيل في المعنى:
وتنبسط الوجوه لأمر خير ... كما تغبر من شر تراه
وقال غيره:
وتشرق بالقول الذي قد أذعته ... كما شرقت صدر القناة من الدم
وفي هذا البيت اكتساب المضاف التأنيث من المضاف اليه كما في قوله:
وما حب الديار شغفن قلبي ... ولكن حب من سكن الديارا
تحذر هذه الآية الناس عاقبة أمرهم إذا هم لم يقوموا بأوامر الله تعالى بما ذكر ألا فليقلع الناس عما هم عليه قبل حلول الأجل وليزداد الطائعون طاعة لينالوا ما وعدهم الله به من الخير. هذا ولما قال مالك بن الصيفي ووهب بن يهوذا اليهوديان