عنه صلّى الله عليه وسلم: من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر فهو خليفة الله ورسوله وخليفة كتابه. وقد ذكر الله تعالى في صدر هذه الآية ما هو الحسن والخير ثم أتبعه بنوعيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مبالغة في البيان. والمعروف كل شيء يعرف بالعقل حسنا ويحسنه الشرع، والمنكر عكسه أي كل شيء يعرف بالعقل منكرا ويقبحه الشرع. الحكم الشرعي: يجب وجوبا كفائيا على من آنس في نفسه الكفاية أن يتصدر لأمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر على أن يكون رحب الصدر لا تصده كلمة متكلم ولا يغضبه نهر ناهر ولا يترك من أجل متعند أو متعنت لأن الترك بهذه الأسباب لا تخلصه عند الله إذا كان متعينا عليه.
قال الحسن البصري والأكمل أن لا يعيب الناس بعيب هو فيه، وأن يأمر بإصلاح عيوبهم بعد أن يصلح عيبه، وإلا فليشتغل بخاصة نفسه، وعلى الناس أن يأخذوا بقوله ولو لم يقم هو بما يأمر، ولا حجة لهم عليه بقوله تعالى (لِمَ تَقُولُونَ ما لا تَفْعَلُونَ) الآية الثانية من سورة الصف الآتية لأن المراد منها نهيه عن عدم الفعل لا عن القول، ولا بقوله تعالى (أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ) الآية ٤٤ من سورة البقرة المارة لأن التوبيخ فيها على نسيان أنفسهم لا على أمرهم بالبر، ولا يمنعه عدم أخذ الناس فيما يأمرهم وينهاهم، وإنما عليه القيام بالأمر والنهي فعلوا أم أبوا ليخلص عند الله وتكون الحجة عليهم، وإذا قام بعض الأمة في هذا سقط عن الإثم عن الباقين وآمنوا من الوعد والوعيد الوارد في قوله صلّى الله عليه وسلم: لتأمرنّ بالمعروف ولتنهونّ عن المنكر أو ليسلطنّ الله عليكم سلطانا ظالما لا يجلى كريمكم ولا يرحم صغيركم، ويدعوا خياركم فلا يستجاب لهم، وتستنصرون فلا تنصرون.
قال تعالى واذكر لقومك يا محمد «يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ» من المؤمنين يوم القيامة فيسرون ويتباهون على رءوس الأشهاد «وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ» الكافرين فيه فيتحسرون على ما وقع منهم في الدنيا ويفتضحون في ذلك الموقف العظيم «فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ» فيقال لهم على ملأ الناس «أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ» بالله يوم أعطيتموه العهد والميثاق في عالم الذر «فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ»(١٠٦) فيه ولنقضكم العهد الذي عاهدتم عليه