قال تعالى «وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ» لقلة عددكم وعددكم «فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»(١٢٣) نعمه، فإن التقوى هي الأساس الأقوى لنيل كل خير ودفع كل ضر، ولم تكرر لفظة بدر بالقرآن.
واذكر يا محمد لقومك «إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ» يوم بدر وعليه اكثر المفسرين وقيل يوم أحد ولكل وجهة في تأويل القلة بالنسبة ليوم أحد، والكثرة بالنسبة ليوم بدر، وهو أحوج لأنه أول بادرة وقعت من المسلمين تقوية لقلوبهم وخذلانا لأعدائهم، ومقول القول «أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنْزَلِينَ»(١٢٤) من قبل الله منزلين الخوف بقلوب أعدائكم «بَلى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ» من ساعتهم مأخوذ من فارت القدر إذا غلت واستعير إلى السرعة الشديدة التي لا ريث فيها، ولذلك وصف الفور «هذا» لتأكيد السرعة فكأن المؤمنين لما رأوا كثرة المشركين وبلغهم أنه سيأتيهم مدد، حصل لبعضهم خوف بسبب قلتهم، فقال لهم الرسول صلّى الله عليه وسلم ما ذكره الله في صدر الآية وأكد لهم قربه لنصرتهم بقوله هذا، كأنه ينظر إلى نزول الملائكة من السماء ويشير إليهم قائلا هذا «يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ»(١٢٥) معلمين بعلامات يعرفها الفارس يوم اللقاء، قال عنترة:
فتعرفوني أنني أنا ذلكم ... شاركي السلاح في الحوادث معلم
قال تعالى «وَما جَعَلَهُ اللَّهُ» إمداد الملائكة «إِلَّا بُشْرى لَكُمْ» بالنصر والمعونة «وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ» فتقوى ولا يتخللها الجزع من كثرة عدوها «وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ» الذي لا غالب له النادر الوجود «الْحَكِيمِ»(١٢٦) بإعطائه النصر والظفر لمن يريد لا لمن نريد نحن حسبما هو كائن في علمه لأن كل ما يكون في الكون عبارة عن إظهار ما هو مدون أزلا عنده، لا من الملائكة ولا هو منكم، وقد فعل الله ذلك «لِيَقْطَعَ طَرَفاً» يهلك طائفة «مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَوْ يَكْبِتَهُمْ» يوهنهم ويصرعهم على وجوههم «فَيَنْقَلِبُوا خائِبِينَ»(١٢٧) من الظفر الذي أملوه في غزوتهم هذه. تشير هذه