يدعوهم إلى الله؟ فأنزل الله هذه الآية وذلك لما رأى رسول الله تمثيلهم بحمزة وتجاسرهم عليه أراد أن يدعو عليهم. وقيل إنه أقسم ليمثلنّ في سبعين من خيارهم فرد الله عليه لعلمه بإسلام بعضهم وأنه قد يولد منهم من يوحد الله تعالى، ولهذا خاطبه بأن أمر إهلاكهم ليس لك بل هو لي وحدي إن شئت عذبتهم بظلمهم وإن شئت عفوت عنهم ووفقتهم للإيمان، وهنا نزلت الآيات من آخر سورة النحل كما ألمعنا إليها في محلها ج ٢. وما قيل إن هذه الآية نزلت في حادثة بئر معونه ينافيه سياق التنزيل وسياقه ومؤخره. قال تعالى «وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ» ملكا وعبيدا يتصرف فيهما وما فيهما كيف يشاء فينصر من يشاء ويخذل من يشاء و «يَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(١٢٩) بعباده لا يعجل عقوبتهم لسابق علمه بما يئول أمرهم إليه، فقد أخرج البخاري وأحمد والترمذي والنسائي وغيرهم عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم يوم أحد اللهم العن أبا سفيان، اللهم العن الحارث بن هشام، اللهم العن سهيل بن عمرو، اللهم العن صفوان بن أمية، فنزلت الآية، ثم يتوب عليهم كلهم كما سيأتي بعد هذا، وكان قدوم قريش إلى أحد يوم الأربعاء في ١٢ شوال سنة ٣ من الهجرة وخروج الرسول وأصحابه بعدم. ومن هنا يعلم أن الآيات من ٩٠ إلى إلى ١٢٧ نزلت متأخرة عما بعدها كما هو معلوم من سياق القصص تأمل، وكان التقاء الجمعين يوم السبت الخامس عشر منه، وسبب الانكسار ما ذكره الله من المخالفة لأمر الرسول لأنه حذرهم من مبارحة أمكنتهم وأكد عليهم ملازمتها سواء غلبوا أم غلبوا كما مر آنفا في الآية ١٢٢، وقد أراد الله بذلك أن يمنعهم عن العود إلى مثلها فيتباعدوا عن مخالفته ولا يتجاسروا على معارضته ولا يميلوا إلى غير رأيه، وأن لا يدخل في قلب أحد منهم ريب بأن ما يريده هو الصواب وليعلموا أن ظفرهم يوم بدر كان ببركة نبيهم وطاعته ولطف الله ومعونته لا بقوتهم.
وسيأتي لهذه الحادثة زيادة تفصيل بعد هذه الآيات الواردة كالمعترضة بين آيات القصة وهي قوله تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا الرِّبَوا أَضْعافاً مُضاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ» بالابتعاد عن تعاطي جميع أنواع الربا «لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ»(١٣٠)