فأنزل الله هذه الآية. قال تعالى «أَفَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللَّهِ» كالمهاجرين والأنصار الذين جاهدوا ولم يبرحوا مكانهم ولم يتركوا رسولهم «كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللَّهِ» أي رجع من ساحة الحرب لخذلان الرسول وأصحابه وهم المنافقون المار ذكرهم «وَمَأْواهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ»(١٦٢) هي لأهلها لأن عبد الله ابن سلول وأصحابه ماتوا على الكفر وان المعبر عنهم برضوان الله «هُمْ» الذين اتبعوا الرسول لأن رضاء الله باتباعه صلّى الله عليه وسلم «دَرَجاتٌ» في التفضيل عند الله والذين تخلفوا عنه باءوا بسخط الله فهم دركات في غضبه والكل منهم متفاوتون «عِنْدَ اللَّهِ» في الثواب والعقاب «وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ»(١٦٣) عليم بما يستحقه كل منهم، لأن البصير لا تخفى عليه خافية مهما دقت وخفي حجمها وأمرها، قال تعالى «لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ» فأحسن وتفضل وأنعم «عَلَى الْمُؤْمِنِينَ» خاصة والعرب عامة «إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ» من جنسهم ولسانهم وليسهل عليهم الأخذ منه وليثقوا به، قال أبو طالب في خطبة خديجة رضي الله عنها إلى محمد صلّى الله عليه وسلم: الحمد لله الذي جعلنا من ذرية إبراهيم، وزرع إسماعيل، وضئضىء معد، وعنصر مضر، وجعلنا سدنة بيته، وسواس حرمه، وجعل لنا بيتا محجوجا وحرما آمنا، وجعلنا الحكام على الناس، وإن ابني هذا محمد بن عبد الله لا يوزن بفتى إلا رجح، وهو والله بعد هذا له نبأ عظيم وخطب جليل، وقد صدق والله رحمه الله وحقق فراسته، إذ أرسله إليهم «يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ» من دنس الشرك ودرن الخبث ونجاسة المحرمات ووسخ الأرجاس «وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ» في تضاعيف تعليمهم مدارك آيات الله المنزلة عليه ومعاني السنة التي يسنها لهم «وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ» بعثته إليهم «لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ»(١٦٤) لا يخفى على أحد. قال تعالى «أَوَلَمَّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ» بحادثة أحد من هزيمتكم وقتل خمسة وسبعين من رجالكم فإنكم «قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها» من أعدائكم يوم بدر إذ قتلتم سبعين وأسرتم سبعين وهزمتموهم أيضا يوم أحد أولا وقتلتم منهم نيفا وعشرين عدا الجرحى «قُلْتُمْ أَنَّى هذا» أي كيف نغلب ولم أصابنا هذا وقد وعدنا النصر، ومن أين جاءنا هذا الخذلان