للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال أبو دلامة:

لو أن لي مهجة أخرى لجدت بها ... لكنها خلقت فردا فلم أجد

«وَما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللَّائِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ» لأنهن لم يلدنكم «وَما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ» الأولاد الذين تربونهم «أَبْناءَكُمْ» لأنكم لم تلدوهم فلا يليق تسمية المظاهرات أمهات ولا الذين تربونهم أولادا ولا يجوز نسبتهم هذه إليكم ولا نسبتكم إليهم «ذلِكُمْ» القول بوجود قلبين ينتفع بهما وجعل الزوجة الظاهرة اما والمربى ابنا «قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ» مجرد عن الصحة لا يرتكز على حقيقة، ولا يستند إلى دليل لأن الله تعالى لم يخص أحدا بقلبين ينتفع بهما ولم يجعل امرأة قط زوجة من جهة وأمّا من أخرى ولم يجمع بين البنوة والدعي في رجل واحد «وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ» لكم ظاهرا وباطنا فاسمعوا له وأطيعوا «وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ» (٤) العدل الموصل إلى الرشد والسداد فاتبعوه ولا تزيغوا عنه.

واعلم أن لكل جملة من هذه الآية سببا في نزولها فالأولى كانت العرب تسمي أبا معمر الفهري ذا القلبين لشدة حفظه وكان يدعي أن له قلبين فأكذبه الله وأظهر كذبه لقومه حين انهزم المشركون في حادثة الأحزاب الآتية إذ رآه أبو سفيان وإحدى نعليه في رجله والأخرى في يده، فقال له ما بالك هكذا؟ قال ما شعرت إلا أنها في رجلي فقالوا لو كان له قلبان لما نسي نعله في يده. وأخرج الترمذي عن ابن عباس ان المنافقين قالوا إن لمحمد قلبين قلبا معنا وقلبا مع أصحابه ولذلك يخبر عما يقع منا، فأكذبهم الله وبين أنه يتبع ما يخبر به ما يوحى إليه من ربه وإنما قلنا لو وجد لأحد قلبين على سبيل الفرض والتقدير لا ينتفع إلا بأحدهما، لأنه لا يخلو إما أن يعقل بأحدهما ما يعقل بالآخر من الحسّ وافعال القلوب فيكون الآخر فضلة لا حاجة إليه، واما أن يعقل بأحدهما ما لا يعقله بالآخر فيؤدي إلى اتصافه بكونه مريدا كارها عالما جاهلا موقنا شاكا في حالة واحدة وهما حالتان متنافيتان لا ينتفع بهما البتة. والجملة الأخرى في الظهار وسيأتي تفصيله أول سورة المجادلة الآتية إن شاء الله، والجملة الثالثة في التبنّي وذلك أن زيد بن حارثة من بني كلب سبي صغيرا فاشتراه حكيم بن خزام إلى عمته خديجة فلما تزوجها حضرة الرسول وهبته إليه

<<  <  ج: ص:  >  >>