للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجاء أبوه وعمه يطلبانه من الرسول فخيره بين أن يذهب معهما أو ان يبقى عنده، فاختار البقاء عند رسول الله عليهما فأعتقه صلّى الله عليه وسلم وتبناه على عادة العرب قبل الإسلام، إذ لم ينزل قرآن بشأن التبنّي، ثم زوجه زينب بنت جحش، ولما طلقها كما سيأتي بيانه في هذه السورة وتزوجها رسول الله قال المنافقون تزوج زوجة ابنه، فأنزل الله هذه الجملة تكذيبا لهم، وأعلمهم فيها ان المتبنى ليس بولد صلبي ولا مثله في تحريم الزواج.

وما قيل ان هذه الآية نزلت في نسخ التبني لا صحة له. لأن الله لم يسمه ابنا قط فيما أنزل على رسوله قبل، ولم يمنع التبني في هذه الآية وانما منع اسم البنوة عنه فقط، فلا محل لدعوى النسخ، قال تعالى «ادْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ» إذا كانوا معروفين وهذا «هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ» واعدل من أن تنسبوهم لأنفسكم كذبا لأنهم لهم آباء غيركم «فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ» أي ادعوهم بلفظ الأخ، فتقول يا أخي ويا ابن أخي على عادة العرب أيضا في نداء بعضهم بعضا، وهذا أحسن من قول الناس الآن لابن الغير يا ولدي يا ابني، واصدق لأن الناس كلهم أخوة «فِي الدِّينِ» واخوة في الخلق إذا لم يكونوا على دين واحد «وَمَوالِيكُمْ» بأن تقولوا إذا ساقتكم الأنفة من تسميتهم إخوانا فقولوا يا مولاي، والمولى يطلق على السيد والعبد لغة، وقيل فيه:

ولن يتساوى سادة وعبيدهم ... على أن اسماء الجميع موالي

قال تعالى «وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ» قبل النهي قصدا لأنكم لا تعلمون انه ينهى عنه كما لا يؤاخذكم إذا أخطأتم بعد النبي سهوا أو نسيانا «وَلكِنْ» الذي يؤاخذكم عليه هو «ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ» عليه وعملتم به بعد النهي ففيه الإثم عليكم «وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً» ولم يزل لمن يخطىء أو يجرم إن شاء «رَحِيماً» (٥) بعباده يعاملهم بعفوه وحلمه. روى البخاري ومسلم عن سعد ابن أبي وقاص وأبي بكرة أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: من ادعى إلى غير أبيه وهو يعلم أنه غير أبيه فالجنة حرام عليه. وجاء عنه ملعون من ادعى الى غير مواليه، ملعون من انتسب لغير آبائه. ولهذا ورد عنه صلّى الله عليه وسلم الناس مأمونون على أنسابهم. وبعد ان تبين ان الذي ينتسب الى غير آبائه ملعون لا يتصور أن يجرؤ قصدا على الانتساب زورا لغير آبائه، ويختار

<<  <  ج: ص:  >  >>