الوقوع فيهما حتما، ثم أثنى الله تعالى على الأنبياء الذين خلوا قبل محمد فقال جل قوله «الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ» بأوامره ونواهيه إلى الأمم كما أمر «وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ» وحده ولا يلتفتون إلى تقول الناس ولومهم فيما يفعلون بإذن ربهم «وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً»(٣٩) لخلقه على خلقه ويكفيهم أن يحصروا مخافتهم منه فيه، ثم انه تعالى نفى عن حبيبه مادة التبني بالكلية بصورة أوضح، لأن الآية الأولى عدد ٤ المارة عامة فيه وفي غيره على طريقة التخصيص بعد التعميم بقوله «ما كانَ مُحَمَّدٌ أَبا أَحَدٍ مِنْ رِجالِكُمْ» أيها الناس لا زيد ولا غيره ليثبت حرمة تزويجه بزوجة زيد «وَلكِنْ رَسُولَ اللَّهِ» الذي يجب عليكم توقيره واحترامه أكثر من آبائكم لأن كل رسول أب عام لأمته ومرب لأرواحها «وَخاتَمَ النَّبِيِّينَ» ولذلك لم يبق له ولد ليبلغ مبلغ الرجال، لأن الولد إذا لم يكن في درجة أبيه لا فخر له فيه وقد حكم الله بأن لا نبي من بعده «وَكانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً»(٤٠) قبل وقوعه لأنه مدون في أزله، وأن عيسى وإن كان ينزل بعده فإنه يعمل بشريعته ويصلي إلى قبلته، وقد تنبّأ قبله فلا يقال إنه جاء بعده. روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم إن مثلي ومثل الأنبياء قبلي كمثل رجل بني بيتا فأحسنه وجمله إلا موضع لبنة من زاوية من زواياه فجعل الناس يطوفون ويتعجبون له ويقولون هتلا وضعت هذه اللبنة، فأنا اللبنة وأنا خاتم النبيين. وعن جابر مثله وفيه جئت فختمت الأنبياء. ورويا عن جبير بن مطعم قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم لي خمسة أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله الكفر بي وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب والعاقب ليس بعده نبي، وقد سماه الله رءوفا رحيما. روى مسلم عن أبي موسى قال: كان النبي
صلّى الله عليه وسلم يسمي لنا نفسه بأسماء فقال أنا محمد وأنا أحمد وأنا المقفى أي المولى الذاهب المتبع لمن قبله والآخر وأنا الماحي ونبي التوبة ونبي الرحمة. قال حسان بن ثابت:
ألم تر أن الله أرسل عبده ... ببرهانه والله أعلى وأمجد
أغرّ عليه للنبوة خاتم ... من الله مشهود يلوح ويشهد