أبو حنيفة إنه خاص بالإماء على ما قاله الخفاجي. وقال أبو حيان انه صلّى الله عليه وسلم أمر بضرب الحجاب دونه أي أنس المار ذكره آنفا، وفعلته أم سلمة مع مكاتبها تيهان.
والآية مطلقة فتشمل الإماء الكافرات وغيرهن، وإنما جاز ذلك لحاجة الخدمة، ومما يؤيده العطف على النساء، إذ يفهم منه أن العبد الذكر ليس له ذلك، ومما يوافق عموم الآية أن عبد عائشة كان يدخل عليها، وقد أوصت بأنه إذا ماتت ووضعها في قبرها فهو حرّ، ولكن أين نساؤنا من عائشة، وأين خدمنا من خادمها؟ ويوشك أن يكون خفيا، والآية يدخل فيها الخفيّ وغيره. ثم إن الله تعالى حذرهن في المحافظة على ما أنزله بحقهن فقال «وَاتَّقِينَ اللَّهَ» أيها النساء واحتطن بما أوصاكن الله من المحافظة على الحجاب وغيره، ويشعر الالتفات من الغيبة إلى الخطاب بالتشديد على الاستتار من الأجانب وعدم لين الكلام معهم مما يؤدي إلى الغنج، لا سيما وقد أعقبه بقوله «إِنَّ اللَّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً»(٥٥) يعلم خطرات القلوب ويرى ما في دخائلها كما يعلم حركات الجوارح، فالظاهر والخفي في علمه سواء. روى البخاري ومسلم عن أنس أن عمر قال:
وافقت ربي في ثلاث، قلت يا رسول الله لو اتخذت من مقام إبراهيم مصلى فنزل (وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقامِ إِبْراهِيمَ مُصَلًّى) وقلت يا رسول الله يدخل على نسائك البر والفاجر فلو أمرتهن أن يحتجبن فنزلت آية الحجاب، واجتمع نساء النبي صلّى الله عليه وسلم في الغيرة فقلت (عَسى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ) الآية، فنزلت. هذا من كمال إيمانه رضي الله عنه، ولا شك أن المؤمن ينظر بنور الله، فليحذر ذو القلب أن يخطر بباله غير ذلك أو يتخيل خلاف ما هنالك، فإن كلام الله أزلي والقرآن مدوّن في لوحه كما هو لا ينزل على غير النبي لأجل أحد، ولا يخطر قبل نزوله على النبي في بال أحد، راجع الآية ٩٢ من الأنعام في ج ٢ واعقل ما ذكرناه فيها وتدبره.
قال تعالى «إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ» الصلاة من الله ثناء ورحمة، ومن الملائكة رجاء واستغفار، ومن الناس دعاء وتضرع «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(٥٦) حيوه بتحية الإسلام كلما ذكر، وهذا الأمر للوجوب، فيجب على كل مؤمن أن يصلي عليه ولو في العمر مرة.