ورجعت معه، فإذا هم قد خرجوا، فضرب النبي صلّى الله عليه وسلم بيني وبينه بالستر، وأنزل الله الحجاب. قال تعالى «إِنْ تُبْدُوا شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ» في صدوركم أيها الناس ولم تنطقوا به مما يتعلق بالنبي وغيره من كل ما تتصورونه بقلوبكم أو يخطر على بالكم «فَإِنَّ اللَّهَ كانَ» ولم يزل «بِكُلِّ شَيْءٍ» يقع في كونه علنا أو سرا «عَلِيماً»(٥٤) لا يخفى عليه شيء، وانه لا بد أن يعاقبكم على سيئه ويكافئكم على حسنه إن شاء، قالوا إن طلحة بن عبد الله التميمي قال إن محمدا يأخذ بنات عمنا يعني عائشة، لأن أبا بكر من بني تيم بن مرة ثم يمنعنا من الدخول على نسائه ويحجبهن عنا، لئن مات لأتزوجنها، فنزلت. وهذا الخبر قد لا يكون صحيحا، لأن أحدا من الأصحاب المخلصين لا يخطر بباله هذا ولا يحوك في نفسه ولا يتردد في صدره ولا يحرك به لسانه، بل قد ترجف بوادره من ذكره وترتعد فرائضه من التحدث فيه ويقشعر شعره من سماعه، اللهم إلا أن يكون منافقا، وطلحة هذا غير طلحة المبشر بالجنة، وحاشاه من هذه الوصمة، بل هو رجل شاركه في اسمه واسم أبيه ونسبه، ذكره الحافظ السيوطي. فإذا كان نساء النبي المحرمات على الأمة لا يسألن إلا من وراء حجاب وقد نهين عن التخضع بالقول كما مر في الآية ٣٢، فنساؤنا الجائز زواجهن أولى بذلك. وإن هذا وما تقدم دليل كاف على ستر الوجه،
ولبحثه صلة في الآية ٣١ من سورة النور الآتية فراجعها.
وبعد نزول هذه الآية قال آباء النساء وذووهن، ونحن يا رسول الله نكلمهن أيضا من وراء حجاب؟ فأنزل الله «لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَلا أَبْنائِهِنَّ وَلا إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَلا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَلا نِسائِهِنَّ» بالدخول عليهن ونظرا لعموم الآية يدخل فيها الكتابيات أيضا. ويخرج الكافرات لأنهن لسن من نساء المؤمنين ولأنهن غير أمينات عليهن، إذ قد ينتقلن صفاتهن لأزواجهن وغيرهم لأنهن لا دين لهن، فلا يجوز اطلاعهن على عورات المؤمنات، ولا دخول الحمام معهن، لما فيه من بدو العورات فيطلعن عليهن، وقد عدّ الفقهاء نظر الكافرة المسلمة كنظر الرجل الأجنبي «أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ» ظاهر الآية من العبيد والإماء كما نقل ابن عباس، وإليه ذهب الشافعي، وقال