لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه، وقد ذكرنا غير مرة أن لا مشاحة في تعدد أسباب النزول وإن آية واحدة قد تكون لعدة حوادث، ثم ذكر الله الذين لا تجوز صلتهم ولا مقاربتهم وهم في ذلك الزمن أهل مكة. فقال جل قوله «إِنَّما يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَظاهَرُوا» اليهود وغيرهم «عَلى إِخْراجِكُمْ» من المدينة واستئصالكم. إذ جاءت الآية عامة فيدخل فيها كل من يفعل ذلك مع المؤمنين إلى آخر الزمان، فلا يجوز للمؤمن مصافاة من هذا شأنهم فيحرم عليكم أيها المؤمنون «أَنْ تَوَلَّوْهُمْ» أبدا وتفكروا فيما هدد به تعالى من يواليهم بقوله «وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ» منكم «فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ»(٩) أنفسهم الآيسون من رحمتي الآئبون بالندم وسوء العاقبة لأنهم وضعوا ثقتهم في غير محلها فلا يلومون إلا أنفسهم عند حدوث ما يسوءهم منهم. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ» اختبروهن لتعلموا هل هن مؤمنات حقا أم لا فإن ظهر لكم أنهن مؤمنات فاقبلوهن ولا تقولوا إنهن باطنا غير مؤمنات «اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمانِهِنَّ» منكم لأن لكم الظاهر والله عليم بما في الصدور «فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ» بعد الفحص «مُؤْمِناتٍ» بحسب الظاهر ولم تروا ريبة في مجيئهن وإبقائهن بين أظهركم «فَلا تَرْجِعُوهُنَّ» بعد ذلك «إِلَى الْكُفَّارِ» أزواجهن الأول «لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ» لأنهم مشركون «وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ» لأنهن مسلمات، فتقع الفرقة بينهم، راجع الآية ٢٢٢ من سورة البقرة المارة «وَآتُوهُمْ» أي أزواجهم الكفار «ما أَنْفَقُوا» عليهن من المهور لأنه حقهم ولم يعطوه إلا لحق الزوجية، وقد انقطعت بغير إرادة الأزواج، فيكون بمثابة بدل الخلع «وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ» بعد ذلك «إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ» مهورهن «وَلا تُمْسِكُوا» أيها المؤمنون «بِعِصَمِ الْكَوافِرِ» اللاتي بقين مشركات في دار الحرب أو اللاتي قد ارتددن ولحقن بدار الحرب «وَسْئَلُوا» من يتزوجهن من الكفّار أن يعطوكم «ما أَنْفَقْتُمْ» عليهن من المهر «وَلْيَسْئَلُوا» الكفار أيضا فيطلبوا منكم «ما أَنْفَقُوا» على نسائهم المهاجرات اللاتي تزوجتم بهن من