الغالب لكل أحد «الْحَكِيمُ»(٥) بما يقع منك على عبادك «لَقَدْ كانَ لَكُمْ» أيها المؤمنون حاطب فمن دونه إلى يومنا هذا، وما بعد إلى قيام الساعة «فِيهِمْ» أي إبراهيم وأصحابه «أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» وقدوة جميلة نافعة «لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ» فيخاف عذابه ويأمل ثوابه أن يقتدي بهم لا بأفعال الكفار وما يؤدي إلى الكفر بأي قصد كان «وَمَنْ يَتَوَلَّ» عن نصح الله وارشاد رسله، ولم ينزجر عن موالاة الكافرين «فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ» عنه وعن غيره فليفعل ما يشاء وإن مرده إليه وهو يعلم كيف يعاقبه على ذلك، وهو «الْحَمِيدُ»(٦) لفعل أهل طاعته فيثيبهم ثوابا كريما فلما سمع المؤمنون هذه الآيات اشتدت عداوتهم لأقربائهم الكفار ووجدوا عليهم وتبرؤوا منهم، وأراد الله تعالى أن يطمعهم فيهم، فأنزل «عَسَى اللَّهُ أَنْ يَجْعَلَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الَّذِينَ عادَيْتُمْ مِنْهُمْ» من أقاربكم الكفار وغيرهم «مَوَدَّةً وَاللَّهُ قَدِيرٌ» على إنشاء المودة بينكم «وَاللَّهُ غَفُورٌ» لمن تاب منهم وأصلح «رَحِيمٌ»(٧) بعباده كلهم يحببهم بعضهم
لبعض، وقد حقق الله لهم ذلك وأسلم كثير منهم، ثم رخص الله تعالى في صلة الذين لم يعادوا المؤمنين بقوله عز قوله «لا يَنْهاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ» بقصد صدكم عنه أو عدم القيام به والتحلي بشعائره ولا يخاصمونكم من أجله «وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ» قسرا فيجلوكم عنها «أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ» وتعاملوهم بالإحسان والعدل والإنصاف وتصلوهم بالسراء والضراء «إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ»(٨) العادلين في ذلك الذين يقابلون المعروف بمثله وأحسن. روى البخاري ومسلم عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها قالت قدمت عليّ أمي (فتيلة بنت عبد العزى) وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا رسول الله وحدتهم فاستفتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقلت يا رسول الله إن أمي قدمت علي وهي راغبة أفأصلها؟ قال نعم صليها، زاد في رواية فأنزل الله هذه الآية. أنظر أيها القارئ إلى عظيم إيمان هذه المرأة إذ لم يمل قلبها إلى صلة أمها الكافرة ولا قبولها في بيتها إلا بعد إفتاء الرسول لها بذلك. وقال ابن عباس نزلت في خزاعة إذ صالحوا حضرة الرسول على أن