مثلهم وإذ ذاك «لَنْ تَنْفَعَكُمْ أَرْحامُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ» ولا أقاربكم وأصحابكم الذين يحتجون بهم في الدنيا، إذ لا فائدة لكم منهم ولا ينفعونكم أبدا «يَوْمَ الْقِيامَةِ» غدا عند الله ولا يقونكم شيئا من عذابه، فلا يحملنكم وجود أحد عندهم من ذويكم على الرأفة بهم وتخونون رسول الله من أجلهم، فإنهم لن يغنوا عنكم من الله شيئا هو الذي «يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ» وبينهم يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وفصيلته التي تؤويه، وليعلم أن من في الأرض جميعا لا ينجيه من الله «وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ»(٣) لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء فإذا أحببتم أيها المؤمنون بما فيكم حاطب المخصوص في هذه الآيات أن تتأسوا بمن قبكلم في أعمال الخير فإنه «قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ» خليل الله «وَالَّذِينَ مَعَهُ» من المؤمنين به «إِذْ قالُوا لِقَوْمِهِمْ» المشركين «إِنَّا بُرَآؤُا مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ» حيث تبين لهم كفرهم وقالوا «كَفَرْنا بِكُمْ وَبَدا بَيْنَنا وَبَيْنَكُمُ الْعَداوَةُ وَالْبَغْضاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ» وقاطعوهم في كل شيء فكيف توادونهم وأنتم خير أمة أخرجت للناس، ألا تعتقدون بأفعال هؤلاء الكرام كلها «إِلَّا قَوْلَ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ» فلا تتأسوا به إذ لا يجوز الاستغفار للمشركين، لأن هذه الجملة مرتبطة بما قبلها من ذكر ابراهيم عليه السلام وما بينهما اعتراض تدبر، وإن ابراهيم لم يقل هذا إلا بعد أن وعده بالإيمان، قال تعالى دفاعا عن خليله (وَما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَها إِيَّاهُ) الآية ١٠٥ من سورة التوبة الآتية، وأنتم قد تبين لكم أن المشركين أعداء الله ورسوله واعداء لكم فكيف تواصلونهم وتفشون إليهم أسراركم؟ وقد قال ابراهيم لأبيه بعد أن وعده بالاستغفار «وَما أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ» لأنه هو ولي التوفيق وكان ابراهيم وأصحابه يقولون في دعائهم «رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَإِلَيْكَ أَنَبْنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ»(٤) في الآخرة الدائمة ويقولون أيضا «رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا» في الدنيا لأنهم يعذبوننا إذا تسلطوا علينا ليصرفونا عن ديننا، ولهذا فإنا نبرأ إليك منهم يا ربنا لا تجعل لهم علينا يدا «وَاغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ