للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمفاسد، فكان إقامة الحد عليهن حكما قاطعا لذلك، روى البخاري ومسلم عن المغيرة بن شعبة قال سعد بن عبادة لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح، فبلغ ذلك رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال أتعجبون من غيرة سعد، والله لأنا أغير منه، والله أغير مني، ومن غيرة الله حرم الله الفواحش ما ظهر منها وما بطن ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المنذرين والمبشرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الجنة- لفظ البخاري- ولمسلم: ولا شخص أحب إليه العذر من الله ومن أجل ذلك بعث المرسلين مبشرين ومنذرين. قال تعالى «وَالَّذانِ» أي الفريقان، المحصنون وغير المحصنين وقيل إنهما اللائط والملوط به ولا شك أن اللواطة أفحش من الزنا لخروج الآتي والمأتى فيه عن مقتضى الحد الإلهي، وانحطاطهما عن رتبة الكمال الإنساني مما يخالف المروءة ويسقط العدالة. وهذان الناقصان اللذان «يَأْتِيانِها مِنْكُمْ» أيها الرجال «فَآذُوهُما» أيها الحكام وحقروهما وعيّروهما وأنبوهما أيها الناس على فعل هذه الفاحشة الشنيعة ولا تقيسونها على النساء فتحبسونها، لأن الحبس يمنعهما عن القيام بمعاشهما ومن تلزمهما نفقته لذلك جعل الله عقوبتهما الأذى أي الضرب بالنعال والتقريع والتوبيخ، أما النساء فلا صالح لهن بالخروج، لذلك جعل جزائهن الحبس إلى أن يتوبا «فَإِنْ تابا وَأَصْلَحا فَأَعْرِضُوا عَنْهُما» بسبب خضوعهما وإنابتهما بعد ذلك الضرب والتأنيب «إِنَّ اللَّهَ كانَ» ولا يزال «تَوَّاباً» على من يتوب وينيب إليه «رَحِيماً» (١٦) بمن يرجع إليه حكيما فيما يشرع لعباده، وهذا أيضا كان أول الإسلام واستمر إلى أن نزلت آية الحد أول سورة النور الآتية، لأن الله تعالى جعل تشريعه لهذه الأمة تدريجا، والتدريج هو الأصل الثالث من أسس التشريع التي اعتبرها الفقهاء من أصول الدين التي أشرنا إليها في بحث التدريج للأحكام في المقدمة فراجعه، ولهذا سوغ الأخذ بالرخصة كقصر الصلاة وفطر الصائم واليتيم وإباحة المحرّم عند الضرورة بقدر الحاجة والنطق بكلمة الكفر عند خوف القتل مع اطمئنان القلب وجواز شرب الخمر بالإكراه وما أشبه ذلك كما نبهنا عنه في الآية ١٠٧ من سورة النحل في ج ٢. والأصل الثاني تقليل التكاليف، وهو

<<  <  ج: ص:  >  >>