نتيجة لازمة لعدم الحرج، لأن كثرتها إحراج على الأمة، وإنما كان التشريع تدريجيا ليتم كمال دينه الذي ارتضاه شيئا فشيئا، لأنه لو تعبدهم بكل ما أمرهم ونهاهم دفعة واحدة لصعب الأمر عليهم وشق الانقياد
إليه والامتثال له، ولما تلقاه بالقبول إلا القليل منهم، فإذا تأملت هذا جزمت بأن ما أنزل آخرا غير مبطل لما نزل أولا بالمعنى المراد في النسخ، ولظهر لك سرّا هذا من أنهم لما سألوا رسول الله صلّى الله عليه وسلم عن الخمر والميسر المستحكمين فيهم والذين كانا دأبهم ليل نهار وديدنهم صباح مساء كالشاي والقهوة في زماننا أجابهم بما لم يصرح فيه على الكف عنهما بتاتا كما مر تفصيله في المقدمة. ولتمام بحثه صلة في سورة المائدة الآتية إن شاء الله، فعلى هذا الأصل وأصل الإجمال بعد التفصيل الذي نحن بصدده تعلم أن لا نسخ في كتاب الله بالمعنى الذي يريده علماء الناسخ والمنسوخ، لأنك لو تدبّرت الآيات المكية لوجدتها كلها مجملة وقل ما هو مفصّل فيها، لأن جلها مما يحمي العقيدة، ولو تأملت الآيات المدنيات لوجدت غالبها مفصلا مبينا لذلك المجمل، ولا سيما ما هو خاص بالمعاملات المدنية وهذا من خصائص ومميزات المدني عن المكي التي ذكرناها في بحث خاص في المقدمة أيضا فراجعها. قال تعالى «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ» أي مقبولة لديه بمحض الفضل لا الوجوب «لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ» إذ لا يعصي الإله إلا الجاهل السفيه لعدم استعمالهما معه من العقل المميّز الخير من الشر والعلم المبني عن عقاب الله على المعصية وثوابه على الطاعة «ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ» على أثر الإقلاع من فعله فيتبعه الندم حالا والاستغفار منه والإنابة إلى الله «فَأُولئِكَ» الذين هذا شأنهم النادمين على فعل السيء الراجعين إلى الله «يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ» إذا تابوا قبل حضور الموت ومعاينة أسبابه، لأن عمر الإنسان كله قليل قريب من الموت، أخرج الترمذي عن عمر بن الخطاب أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر. أي حتى يتردد الماء في حلقه فلا يستطيع إساغته من سكرات الموت «وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً» بما يقع من الندم من عباده فيمهلهم ليتوبوا فيقبل توبتهم المدون في علمه الأزلي قبولها «حَكِيماً»(١٧) بعدم تعجيل العذاب لأمثالهم لعلمه برجوعهم إليه ونظير هذه الآية الآية ١١٩ من سورة النحل في ج ٢. روى