بطلب المحاكمة إلى الطاغوت «جاؤُكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ» مما أقدموا عليه «وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ» لأنه يقبل عذر من اعتذر إليه والله لا يرد شفاعته «لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّاباً» عليهم «رَحِيماً»(٦٤) بهم ومن هنا والآيتين ٣٨ من المائدة الآتية و ٥٧ من الإسراء المارة في ج ١ أخذ جواز التوسل بحضرة الرسول، راجع تفسير الآيتين المذكورتين. وتشير إلى أن الاعتراف بالذنب أمام حضرة الرسول واستغفاره له قد يؤدي لعفو الله عنه، وعليه فإن المذنب إذا اعترف أمام العالم الذي هو نائب عن حضرة الرسول وتاب توبة نصوحا ودعى له بقبولها قد يؤدي لذلك والله أعلم. «فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ» حقا ولا يسمون مؤمنين «حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ» رغبة فيك وحبا في سماع كلامك وشوقا بحكمك «ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً» ضيقا وحنقا وعدم رضى «مِمَّا قَضَيْتَ» به عليهم بل يتلقونه بطيب نفس ويعلمون أنه الحق الواجب اتباعه «وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً»(٦٥) مطلقا وينقادوا له انقيادا رضائيا لا شك ولا تردد فيه ظاهرا وباطنا ولا تخيير فيه أبدا راجع الآية ٢٦ من سورة الأحزاب المارة، روى البخاري ومسلم عن عروة ابن الزبير عن أبيه أن رجلا من الأنصار خاصم الزبير في شراج الحمه (الشراج سيل الماء النازل من الجبل إلى السهل والحمة الأرض الحمراء المتلبسة بالحجارة السوداء) التي يسقون بها النخيل فقال الأنصاري سرح الماء يمر فأبى عليه فاختصما إلى رسول الله فقال صلّى الله عليه وسلم للزبير اسق يا زبير ثم أرسل الماء إلى جارك فغضب الأنصاري ثم قال يا رسول الله إن كان ابن عمتك (أي قضيت له لهذه القرابة لا بحق رأيته قاتله الله) فتلون وجه النبي صلّى الله عليه وسلم ثم قال للزبير اسق يا زبير ثم احبس الماء حتى يرجع إلى الجدر، فقال الزبير والله إني لأحسب هذه الآية نزلت في ذلك، زاد البخاري فاستوعى رسول الله حينئذ للزبير حقه وكان قبل ذلك قد أشار على الزبير أن يتسامح مع الأنصاري سعة له فلما احتفظ الأنصاري أي استوعى أي استوفى للزبير حقه (وذلك إن من كانت أرضه في فم الوادي فهو أولى بتمام السقي) وروى البغوي أنهما لما خرجا مرا على المقداد فقال لمن قضى، لمن كان القضاء قال الأنصاري لابن عمته ولوى شدقه