الآخر ورجع أبو نصير إلى المدينة وقال يا رسول الله رددتني إليهم بمقتضى عهدك لهم، وأنجاني الله حيث قتلت أحد الذين أخذاني وفر الآخر، فقال صلّى الله عليه وسلم ويل أمه مسعر حرب لو كان معه أحد. فعرف مغزى قوله صلّى الله عليه وسلم وخرج من المدينة وذهب إلى سيف البحر أي شاطئه وبلغ المسلمين المحبوسين في مكة قول الرسول لأبي نصير وعرفوا مرماه أيضا، فخرجت عصابة منهم إليه وأنفلت أبو جندل المذكور ولحق بهم أيضا حتى بلغوا سبعين رجلا وصاروا يقطعون الطريق على قريش لا يتركون عيرا إلا نهوها ولا يظفرون بأحد من المشركين إلا سلبوه وقتلوه فأرسلت قريش تناشد رسول الله والرحم بأن يرسل إليهم ويأخذهم إلى المدينة ومن أتاه على شاكلتهم فهو آمن، فأرسل إليهم وقدموا المدينة جميعهم وهذا أول خير من معاهدة الحديبة التي أثبتناها في الآية المذكورة آنفا من سورة الممتحنة المارة، ثم وقعت غزوة خيبر في المحرم سنة السابعة من الهجرة وخيبر مدينة ذات حصون ومزراع على ثمانية برد من المدينة لجهة الشام وقد خرج إليها صلّى الله عليه وسلم وأصحابه فصبحهم صباحا فخرجوا، وإذا القوم، فقالوا محمد والخميس أي الجيش، وإنما سمي خميسا لأنه يحتوي على خمسة أصناف المقدمة والمؤخرة والميمنة والمشأمة والقلب، وهكذا ترتب الحملات في الغزو والجهاد، فقال صلّى الله عليه وسلم الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين، فبرز ملكهم مرعب وبرز إليه عامر، فاختلفت بينهما ضربتان فأصاب عامر نفسه، ثم أخذ الراية أبو بكر وقاتل قتالا شديدا، ثم أخذها عمر وكذلك قاتل أشد من صاحبه ولم يقع أحد من الطرفين ولم يؤخذ بثأر عامر رحمه الله، فقال صلّى الله عليه وسلم لأعطين الراية غدا رجا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله وينفتح على يديه، فأعطاها عليا كرم الله وجهه وبرز له مرعب المذكور وهو يرتجز.