كان جماعة من المستضعفين كعبد الرحمن بن عوف الزهري والمقداد بن الأسود الكندي وقدامة بن مظعون الجمحي وسعد بن أبي وقاص، يقولون يا رسول الله ائذن لنا في قتال المشركين لأنهم آذونا، فقال لهم كفوا عن القتال لأني لم أومر به، وثابروا على دينكم، فأنزل الله «أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ» بعد أن هاجروا من مكة إلى المدينة وأمروا به «إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ» أي أهل مكة الذين كانوا يطلبون الإذن بقتالهم «كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً» من الله «وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ» الآن هلا «لَوْلا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ» يريدون الموت لأنه مهما طال أجله فهو قريب، وهذا سؤال منهم عن وجه الحكمة في فرض القتال عليهم، لا اعتراض على حكم الله، بدليل أنهم لم يوبخوا عليه بل أجيبوا بقوله عز قوله «قُلْ» يا سيد الرسل لهؤلاء وزهدهم فيما يطلبون من البقاء بالدنيا وما يؤملون بالقعود عن القتال، وطلب التأخير إلى الأجل، ورغبهم فيما يتالون بالقتال من النعم، لأن ما يريدونه هو «مَتاعُ الدُّنْيا» وهو عند الله «قَلِيلٌ» تافه سريع الزوال لا قيمة له «وَالْآخِرَةُ» التي نريدها لهم ذات النعيم الدائم والخير الجزيل والأجر الكبير فهي «خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى» السوء في هذه الدنيا الفانية الزهيدة، فميلوا إليها لتوفوا ثوابكم كاملا «وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلًا»(٧٧) من أعمالكم الصالحة فيها بل تضاعف لكم. ولما كان المنافقون لا يزالون يرددون قولهم في قتلى أحد لو كانوا عندنا ما ماتوا وما قتلوا كما مر في الآية ١٥٧ من آل عمران، أنزل الله جل شأنه ردا عليهم «أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ» لا خلاص لكم منه إذا حل أجلكم وإذا كان الأمر كذلك فالقتل في سبيل الله أفضل من الموت على الفراش. قال علي كرم الله وجهه أن الجهاد باب من أبواب الجنة، فتحه الله لخاصة أوليائه وهو لباس التقوى، ودرع الله الحصينة، فمن تركه ألبسه الله ثوب الذل، وشمله البلاء وقيل فيه: