وقدمنا ما يتعلق بالهجرة في الآية ٥٩ من سورة العنكبوت ج ٢ فراجعها ففيها كفاية.
ثم استثنى الله تعالى العاجزين حقيقة بقوله «إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ» الذين «لا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً» في الخروج لفقرهم وعجزهم «وَلا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا»(٩٨) إليه بسبب ضعفهم وصغرهم «فَأُولئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ» وعسى من الله تعالى إطماع وترج، وإذا أطمع الله عبده ورجّاه أوصله وأعطاه وهو أكرم من أن يخيب عباده كيف وهو القائل أنا عند ظن عبدي بي «وَكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُوراً»(٩٩) لا يضيق عفوه ولا ينقص فضله ولا يقل ستره عن أمثالهم. قال ابن عباس كنت أنا وأمي من المستضعفين روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة قال لما رفع رسول الله صلّى الله عليه وسلم رأسه من الركعة الثانية، قال اللهم أنج الوليد بن الوليد وسلمة بن هشام وعياش بن أبي ربيعة والمستضعفين بمكة، اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كني يوسف. ثم رغب الله في الهجرة بقوله «وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ» فارا بدينه من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام ليتمكن من القيام بما فرضه الله عليه واجتناب ما نهى عنه، كما أمر وأراد «يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُراغَماً» طريقا يسلكه على رغم أنف من يهاجر عنهم ومتحولا يتحول إليه ومحلا ينزل به في المحل الذي يهاجر إليه غير أرضهم ومتجولا رحبا «كَثِيراً وَسَعَةً» في الرزق والمحل «وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ» قبل بلوغ مهاجره «فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ» بمقتضى فضله ووعده «وَكانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً..»(١٠٠) بهم يستر ما مضى منهم ويدخلهم في سعة رحمته. قال ابن عباس لما نزلت الآية الأولى وشاعت في مكة. قال شيخ من بني ليث اسمه جندح بن حمزة، والله ما أنا ممن استثنى الله ولي من المال ما يبلغني المدينة، والله لا أبيت بمكة وكان مريضا فأخرجوه على سرير، فلما وصل التنعيم أدركه الموت فصفق بيمينه على شماله، وقال اللهم هذه لرسولك أبايعك على ما بايعك رسولك. ثم مات، فقال المشركون ما أدرك ما طلب، وقال المؤمنون لو وافي المدينة لتم أجره، فأنزل الله هذه الآية الدالة على أن المهاجر له إحدى