أيضا ما يتعلق في بحث الجهاد والرباط في الآية ٦٠ من الأنفال والآية ١٧٦ من آل عمران المارتين وبينا أن الجهاد فرض عين إذا دخل العدو دار قوم من المؤمنين أو بلدا من بلادهم، على جميع أهل البلد والبلدان المجاورة لها، وإذا لم يكفوا فيجب على كل المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، وإلا فهو على الكفاية روى مسلم عن جابر قال كنا مع رسول الله صلّى الله عليه وسلم في غزاة فقال رسول الله إن بالمدينة رجالا ما سرتم سيرا ولا قطعتم واديا إلا كانوا معكم حبسهم المرض. وروى البخاري عن أنس قال رجعنا من غزوة مع النبي فقال: إن أقواما خلفنا بالمدينة ما سلكنا شعبا ولا واديا إلا وهم معنا حبسهم العذر. أي معنا بقلوبهم ولولا أعذارهم
لخرجوا لأنهم سمعوا ما أنزل الله بفضل الجهاد وحزنوا لعدم اشتراكهم فيه ولولا أن الله استثناهم لخاطروا بأنفسهم رغبة بما أعد الله لمجاهدين، لأن المرضى والعجزى ساقط عنهم الجهاد، والله تعالى أكرم من أن يحرمهم أجره، وهؤلاء غير المتخلفين لمناظرة عيال الغزاة والذين هم ظهر للمجاهدين المار ذكرهم قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ» بالقعود بين الكفرة وترك الهجرة من بلادهم وهم أناس تكلموا بكلمة الإسلام وبقوا في مكة ولم يهاجروا لأن من أسلم ولم يهاجر لا يتم إسلامه، وبقي الأمر كذلك إلى فتح مكة، وفيهم نزلت هذه الآية، وهؤلاء تسألهم الملائكة عند موتهم كما ذكر الله بقوله «قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ» أمع المسلمين أم المشركين استفهام توبيخ وتقريع «قالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ» أطلق لفظ الأرض على مكة لشرفها «قالُوا» لهم الملائكة أيضا «أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها» وتتركوا أرض المشركين، فسكتوا وعجزوا عن الجواب إذ لا عذر لهم بذلك لأن من لم يستطع أن يخرج علنا يهرب هربا، ومن لم يستطع أن يأخذ أهله يتركهم ويختار الله عليهم «فَأُولئِكَ» الذين هذا شأنهم وماتوا على ما هم عليه يكون «مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَساءَتْ مَصِيراً»(٩٧) هي لأن بقاءهم مع الكفر عون لهم وتكثير لسوادهم وخذلان للاسلام، ولأن إسلامهم كان مقتصرا على الكلام فقط بينهم وبين أنفسهم، ولا يعرفون من أركانه شيئا، ولا يقدرون أن ينبسوا بشيء منه بين المشركين، وربما خاضوا معهم بالكفر