فلا يقولون ما جاءنا من رسول يا ربنا يرشدنا. ولولا أرسلت إلينا رسولا يأمرنا وينهانا لأطعناه، وقد تكرر قولهم هذا في القرآن عند كل مناسبة، فكان إرسالهم قطعا لمعذرتهم هذه «وَكانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً»(١٦٥) بإرسال الرسل وإنزال الكتب لقطع حجج الخلق. ولما قال مسكين بن عدي بن زيد ما نعلم أن الله أنزل على بشر من شيء بعد موسى فكيف تدعي يا محمد إنزال القرآن عليك من قبل الله أنزل الله هذه الآية وأعقبها بقوله «لكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ» يا سيد الرسل من القرآن، لأنه «أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ» لك على ذلك «وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً»(١٦٦) عن خلقه أجمعين. ونظير هذه الآية الآية ٩٢ من سورة الأنعام المارة في ج ٢ من حيث المعنى ونظير الآية قبلها الآية ٦٥ من سورة المؤمن ونظير الآية قبلها الآية ٢، من سورة الأنعام من حيث تعداد الرسل في ج ٢ أيضا قال تعالى «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ» بإلقاء الشبهات للناس حتى منعوهم عن الإيمان «قَدْ ضَلُّوا ضَلالًا بَعِيداً»(١٦٧) عن طريق الهدى إلى غياهب الجهل وزادوا على ضلالهم إضلال غيرهم، ونظير هذه الآية الآية ٨٧. من سورة النحل في ج ٢ «إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا» غيرهم بسوقهم إلى الكفر «لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ» ولا يهيء لهم بابا إلى المغفرة، لأنّهم عضدوا الكفر بالظلم، ولهذا قال تعالى «وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً»(١٦٨) إلى النجاة «إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ» المؤدي بهم إلى عذابها «خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً»(١٦٩) سهلا لا صارف لهم عنه، وهذا تحقير لأمرهم، وبيان بأنه تعالى لا يعبأ بهم ولا يبالي، ثم خاطب تعالى العقلاء كافة بصورة عامة تشمل المؤمنين وأهل الكتابين والمنافقين والكافرين أجمع بقوله جل قوله «يا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ» محمد صلّى الله عليه وسلم لأنه المعهود الموجه إليه هذا الخطاب والمقصود به هو دون غيره مجيبا متلبسا «بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا» به وانقادوا لأمره وصدقوه بما جاءكم يكون «خَيْراً لَكُمْ وَإِنْ تَكْفُرُوا» به وتجحدوه وتنكروا ما جاءكم به من