الشرائع التي أمروا بتبليغها لأقوامهم «وَالْمِيزانَ» أنزلناه معهم ليقيموا العدل بين أممهم، لأن المراد بالميزان هنا العدل الذي به قوام مصالح النّاس وملاك أمورهم وجماع تآلفهم وتواددهم، بدليل قوله «لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ» ولا يتظالموا فيما بينهم، فيعتدي القوي على الضّعيف والشّريف على الحقير لأنها فيه سواسية، والتفاضل إنما يكون بالأعمال، وقد يكون بالأموال والجاه والرّياسة المراعى فيها التقوى التي هي أساس كلّ خير من هذه الأشياء وغيرها.
مطلب في الحديد ومنافعه وكونه من معجزات القرآن وما يعمل منه وما يستخرج فيه ويحتاج إليه:
«وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ» أحد بركات الأرض الأربع التي منحها الله عباده من هباته الجليلة وتخصيصاته العظيمة، والثاني الملح، والثالث الماء، والرّابع النّار، أي أصلها وهو عنصر الأوكسجين، وهذا من معجزات القرآن إذ تحقق لأهل هذا العصر أنه ينزل من السّماء. قال الأستاذ الشّهير (ونودر فشلد) انه رأى ذرات الحديد في الثلج في شمالي سيبريا وأخبر عنه. ومما يدل على عظمته إعادة العامل مع إمكان الاكتفاء بأداة العطف ووصفه بقوله جل قوله «فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ» ويطلق البأس على الحرب وعلى الموت، وهذا أعظم الآلات المؤثرة فيها بتأثير الله تعالى، وإنما نعته الله بهذا لما هو ثابت في علمه الأزلي المخبر عنه بقوله (وَيَخْلُقُ ما لا تَعْلَمُونَ) الآية ٨ من سورة النّحل في ج ٢، أي ما لا تعلمونه من آلات الحرب والرّكوب التي ظهرت في هذا الزمن مما قد ينكرها العقل لولا بروزها للعيان كالبرق والهاتف والرّاد والقطر والبواخر التي تسيرها قوة الكهرباء (والبوصلة) الإبرة المغناطيسية التي لولاها لما تمكن أصحاب البواخر من التوغل في البحار، ولم يتسنّ لهم السّير في النّهار وقت الضّباب وتلبد الغيوم، والإبرة الدّالة على ترطب الجو وحدوث الأمطار والعواصف وغيرها من العجائب والغرائب من سرعة سير بعض السّيارات الذي هو فوق العقل، فضلا عن القذائف والصّواريخ والذرة وغيرها وما ندري ما يحدث بعد. وللحديد دخل في العلاجات المهمة ومنافعه لا تعد ولا تدخل تحت الحصر، ولولاه لاستحال اختراع الأشياء المار ذكرها وغيرها كالقطر