للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بهم وإلقاء الرّعب في قلوب مناوئيهم «عَزِيزٌ» (٢٥) غالب لا يقاوم منبع لا يحاط به قادر على قهر أعدائه دون تكليف خلقه، وإنما أراد أن يكون النّصر على أيدي أوليائه ليكافئهم على ذلك في الآخرة. قال تعالى «وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ» فلا نبي من بعدهما إلا وهو من نسلهما وإن من تقدمهما

كان من ذرية آدم «فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ» بهداية الله تعالى مقتف آثار أصوله الكرام «وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ» (٢٦) خارجون عن الطّاعة، وذلك بمقتضى ما هو مقدر في الأزل إذ جعل من ذريتهما من هو صالح لخلافته في أرضه، ومن هو لايق لعبادته وخدمته، ومن هو كافر مفسد لخلقه ولنفسه جاحد لربه ورسله وكتبه «ثُمَّ قَفَّيْنا» أتبعنا «عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا» واحدا تلو الآخر «وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ» الذي هو آخر أنبياء بني إسرائيل «وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ» ومشوا على دينه الحق في زمنه وإلى بعثة محمد صلى الله عليه وسلم «رَأْفَةً وَرَحْمَةً» وهاتان الخلتان من صفات أصحاب محمد الآتية في آخر سورة الفتح «وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها» من تلقاء أنفسهم، وهذه الكلمة لم تكرر في القرآن، وهذه الجملة غير معطوفة على ما قبلها، كما أن جملة (ما كَتَبْناها) معترضة بينها وبين ما بعدها أي أن الرّهبانية جاؤا بها وألزموها أنفسهم «ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ» في الإنجيل الذي أنزلناه على رسولهم «إِلَّا» أنهم اخترعوها عفوا «ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللَّهِ» عليهم، وذلك لكمال زهدهم في الدّنيا وتشبههم برسولهم، لأنه لم يتزوج وهو أزهد الأنبياء والرّسل عدا محمد صلوات الله عليهم وسلامه، والرّاهب هو الخائف الخاشي الخاشع لربه الفار بدينه عن الافتتان مبالغة في ترك الدّنيا وإعراضهم عن شهواتها، ولكنهم بعد أن أوجبوها على أنفسهم ومن بعدهم لم يقوموا بها كما ينبغي لها لقوله تعالى «فَما رَعَوْها» خلفهم من بعدهم «حَقَّ رِعايَتِها» كما أراد مبتدعوها لأن القصد منها التباعد عن الشّهوات والتجافي عن الملذات والعكوف على العبادات، وهؤلاء مع الأسف صار أكثرهم على العكس، لأنهم انهمكوا في الدّنيا وانكبوا بكليتهم عليها وتوغلوا في الملاهي والمناهي ورغبوا في

<<  <  ج: ص:  >  >>