على عظمة خالقها ويعرفون ماهية أنفسهم، والفكر مقلوب الفرك، لأنه يستعمل في طلب المعاني وهو فرك الأمور وبحثها طلبا الوصول إلى حقيقتها والوقوف على ماهيتها. قال تعالى «وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ» متقابلات متقاربات في الصّفة مختلفات في اللّون والإنبات طيبة وسبخة رخوة وصلبة محجرة ومتربة حصية ورملية فمنها صالح للزرع ومنها للشجر، ومنها ما ينبت نوعا خاصا من الأشجار والخضر، وما ينبت ويثمر شيئا منها ولا ينبت في الأخرى وما يعيش، ويوجد من الحيوانات في قطعة ولا يعيش ويوجد في الأخرى، فقد يوجد في آسيا مالا يوجد في استراليا، ويوجد في إفريقيا مالا يوجد بأمريكا وبالعكس، وهكذا أوربا من حيث الجمع لا الانفراد، لأن هذه القارات الخمس وهي في الحقيقة سبع لأن آسيا تقسم إلى قسمين وأمريكا كذلك، وقد يختلف نباتها وثمارها وحيواناتها ومخلوقاتها في اللّغة واللّون والأخلاق تختلف أيضا، فسبحان من أودع في كل ما هو صالح له، وفي كلّ قلب ما أشغله «جَنَّاتٌ» فيها مختلفة الصّفات بحسب طبايع أرضها وكلّ أرض ذات شجر يجنّها أي يسترها تسمى جنة، ولكن شتان بين هذه وجنّات الآخرة على حد قوله:
ولن يتساوى سادة وعبيدهم ... على أن أسماء الجميع موالي
ثم بين أشجار هذه الجنان بأنها «مِنْ أَعْنابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ» كل منها مختلفة في النّوع والشّكل والهيئة، وكلّ منها «صِنْوانٌ» الصنوان الشّجرات المتعددة من أصل واحد واحده صنو «وَغَيْرُ صِنْوانٍ» شجرة منفردة بأصلها، فالأشجار المجتمعة بأصلها أو برأسها كالنخل لأنه قد يتفرع له في رأسه فروع تصير كالنخلة المتفرعة من الأصل وتحمل ثمرا أيضا، وهذا كثير مشاهد ويسمى صنوان وقد بينا في الآية ٩٩ من سورة الأنعام في ج ٢ الكلمات التي هي على وزن صنوان فراجعها تقف على أصلها وجمعها، وانظر أيها الإنسان إلى عظيم قدرة ربك أن تلك الأشجار كلها «يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ» أي الطّعم فمنها الحلو والحامض والمز والمر وغير ذلك، وكذلك في الرّائحة واللّون والشّكل كالإنسان، منه الخبيث والصّالح والأحمر والأسود