والحسن والقبيح وما بينهما وهم من أب واحد «إِنَّ فِي ذلِكَ» الخلق العجيب والاختلاف الغريب الذي يبهر العقول ويكل عن فهمه المعقول والمنقول ويعجز عن إدراكه الفحول «لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ٤» تلك المعاني ويتدبرون مغزاها ومرماها ويتفكرون في تلك القدرة العظيمة «وَإِنْ تَعْجَبْ» أيها الإنسان الكامل من هذه المكونات البديعة النّاشئة عن قدرة الله البالغة، فحق لك أن تعجب لأنه مما يوجب العجب، ولكن إنكار الكفرة للبعث مع اعترافهم بأن الله خلقهم على غير مثال سابق أكثر عجبا من هذا لأنه كله دون قدرة القادر، ولأن إعادة الشّيء أهون وأيسر من إبداعه، ولهذا «فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَإِذا كُنَّا تُراباً أَإِنَّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ ٥» فقولهم هذا هو الذي يجب أن تتعجب منه لا ذلك. واعلم أن العجب في حقّه تعالى محال لأنه حالة تغوي الإنسان، وتعرض له عند الجهل بالسبب، للشيء المتعجب منه، لأن النّفس تستبعد رؤية مالا تعرف سببه، وتتنزه ذات الله تعالى عن تلك «أُولئِكَ» الّذين ينكرون لبعث هم «الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ» لإنكارهم قدرته «وَأُولئِكَ الْأَغْلالُ فِي أَعْناقِهِمْ» يقادون فيها كالأسرى إلى النّار يوم القيامة هوانا بهم، ولكن بين إهانة الأسرى المنقطعة وإهانتهم الدّائمة في الوصف والكيفية فرق عظيم «وَأُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ٥» وفي تكرار كلمة أولئك دلالة على عظم الأمر والهول والتعجيب. قال تعالى «وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ» وذلك أنه صلّى الله عليه وسلم كان حينما يخوفهم عذاب الله يستهزئون به يقولون هات ما تنذرنا به إن كنت صادقا، وحينما يبشرهم بما عند الله للمؤمن كانوا لا يلتفتون إليه، وقد قص الله تعالى عنهم قولهم قبلا (اللَّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً) الآية ٣٢ من سورة الأنفال المارة، ولم يقولوا لكثافة جهلهم اللهم اهدنا إليه «وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلاتُ» النقم التي أوقعناها بالأمم الماضية جمع مثلة بفتح الميم وضم الثاء أو بفتحها جمع مثل هو ما ضربه الله لأمثالهم من الكفرة الأقدمين ليتعظوا فلم ينجع بهم ولم يرتدعوا «وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلى ظُلْمِهِمْ» أنفسهم وغيرهم. قال