له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النّساء، ففعل كما أمر. واعلموا أيها النّاس أن هذا هو الطّلاق المأمور به من يريده وهو عند الله ورسوله وعلى غير هذه الصّورة يكون بدعيا مخالفا للسنة مؤاخذا عليه عند الله لما فيه من قصد الإضرار بالزوجة، قال بعض العلماء لعل هذه الآية هي النّاسخة للمتعة الواردة في الآية ٢٤ من سورة النّساء المارة لأنها متأخرة عنها ولأنها تنص على لزوم إيقاع الطّلاق للعدة أي لزمانها والمتعة لا عدة فيها، راجع الآية المذكورة في سورة النّساء فيما يتعلق في هذا البحث وقد ذكرنا فيها أنها إنما ثبتت بالسنة ونسخت بها لأن السّنة تنسخ بمثلها ولا تنسخ القرآن، فالقول الصّحيح أنها لم تنسخ بالقرآن، وإنما نهى عنها رسول الله كما أنها ثبتت بإجازته، وامتثال أمره ونهيه واجب على الأمة لأنه لا ينطق عن هوى، وقال تعالى (أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ) الآية ٥٨ من سورة النّساء المارة وقال (ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا) الآية من سورة الحشر الآتية لذلك فإنها محرمة على القطع بتحريم رسول الله كما وتحريمه تحريم الله القائل «وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ» ليعلم أنه إذا أراد زواجها المطلق ضمنها كان له ذلك إذا كان الطّلاق رجعيا وتتزوج بعدها إذا انقضت عدتها له أو لغيره وليتزوج هو بعدها أيضا إذا كان له ثلاث زوجات غيرها إذ لا يجوز لها الزواج قبل نفاد العدة كما لا يجوز له، وهنا إذا قيل لك أيها العاقل هل يعتد الزوج أم لا فقل يعتد في هذه الحالة ولحفظ النّفقة فيها «وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ» أيها المطلقون «لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ» حتى انقضاء عدتهن ولا تطلقوهن إلا بزمانها «وَلا يَخْرُجْنَ» من تلقاء أنفسهن إلّا لحاجة ماسة وليبقين في بيوتهن لا يخرجن منها «إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ» فلكم حينئذ أن تخرجوهن منها كما لورثتكم ذلك على الوجه المبين في الآيتين ٢٣٥ و ٢٤٠ من سورة البقرة المارة «وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ» نبينها لكم في الطّلاق هنا وفي الآيات ٢٢٦ و ٢٤٤ من سورة البقرة وفي الآيات ١٩ و ٢٠ و ٣٤ و ١٣٨ من سورة النّساء المارة، وقد حدّ لكم حدودا في ذلك فإياكم ومجاوزتها «وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ» فيخالف ما أمره ويقدم على ما نهاه «فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ» وأوردها مورد الهلاك