واعلم أن الله تعالى إنما نهاك عن الطّلاق البت مع أنه جازه لك لأنك أيها المطلق «لا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً» لم يكن بالحسبان بأن يوقع في قلبك حبها كما أوقع فيه كراهيتها فتندم ولات حين مندم إذا كان الطّلاق بنا كما مرّ في الآية ١٩ من سورة النّساء، وكذلك على المرأة أن لا تطلب الطّلاق البت بسبب كراهتها لزوجها لاحتمال تبدل الحال معها أيضا كذلك يستحب للرجل أن لا يوقع على زوجته أكثر من طلقتين رجعيتين يبقى له مجالا للرجوع، وعليها أن لا تطلقه بأكثر من ذلك ليبقى لها الطّريق مفتوحا فيتراجعا متى أرادا ضمن العدة، فإذا أعلقاه بأيديهما وقد أوقع الله في قلوبهما محبة العودة يعظم ندمهما، وقد يبغيان جهلا طريق التحليل وهو خبيث أثيم منهي عنه، فالمحلل ليس بهذه النّية زوجا.
وقد جاء في الخبر عن سيد البشر لعن الله المحلل والمحلل له. فما بالكم أيها النّاس يريد الله لكم الأصلح وتريدون الأصعب يريد الله لكم اليسر وتريدون العسر يريد الله أن يخفف عنكم وتريدون التثقيل، راجع الآيتين ١٨٥ في البقرة و ٢٧ في النّساء المارتين، وإذا تشاددتم وأبيتم إلّا الطّلاق البات فليكن بطلقة واحدة بائنة ففيها يحصل المقصود لأن الزوجة تملك عصمتها ولا يحق للزوج الرّجوع عليها إلا برضاها، حتى إذا بدل الله ما في القلوب وتزجها بعقد ومهر جديدين.
مطلب كراهة الطّلاق والنّهي عن البت فيه والعدة على الزوج أو الزوجة.
التوكل على الله المانع من الانتحار:
أخرج أبو داود عن محارب بن درثّا أن رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال ما أحل الله شيئا أبغض إليه من الطّلاق وله. عن ابن عمر أبغض الحلال إلى الله الطّلاق وله. وللترمذي عن ثوبان إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلم قال أيما امرأة سألت زوجها الطّلاق من غير ما بأس حرام عليها رائحة الجنّة، فأحذروا أيها المؤمنون من أن توقعوا أنفسكم فيما لا خلاص لكم منه، وقد جعل الله لكم سبيلا ومخرجا لما به صلاحكم، فالله الله في أنفسكم قال تعالى «فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ» وكان ما وقع من الطّلاق منكم ليس بتا وعنّ لكم الرّجوع إلى أزواجكم «فَأَمْسِكُوهُنَّ» بالمراجعة في العدة أو تجديد العدة بعدها أو فيها إذا كان الطّلاق بتا وكان دون الثلاث «بِمَعْرُوفٍ»