التوكل لرزقكم كما يرزق الطّير. وأنتم لا تلتفتون بل تشكون وتجحدون ولا تصدقون، فمن أين يأتيكم الخير وكيف يدفع الله عنكم الضّر؟ فلا حول ولا قوة إلا بالله. روي أن عوف بن مالك أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال له إن العدو أسر ابني مالكا وشكا إليه فاقته، فقال اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلّا بالله، ففعل فلم يحس إلّا وابنه وإبلا جاء بها ممن أسروه، فجاء به إلى الرسول فأخبره وقال أيحل أكل ما أتى به؟ فقال نعم أفتاه بحله لأنه من العدو في الدّين وكلّ ما كان فيه نقص أموالهم ورجالهم جاز فعله بأي صورة كانت، لأن الحربي لا ذمة له ولا عهد ولا أمانة له فيجوز أخذ ما لهم سرقة وقمار أو خلسة وبأي صورة كانت قال ابن عباس غفل عنه العدو فاستاق أنعامهم، وأنا أقول بسبب توكل أبيه وتفويض أمره لربه وأخذه بقول رسوله وأمره له بالصبر والحوقلة كان له ذلك وأعمى عنه أعداءه. هذا وقد عدّ بعض المفسرين هذه القصة من أسباب نزول هذه الآية، ولا مانع وهي باقية على عمومها. ثم لما بين الله تعالى أحكام ذوات الحيض من النّساء المدخول بهن
ذكر ما يتعلق بغيرهن فقال عز قوله «وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ» في أحكامهن وشككتم في عدتهن «فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ» فقط «وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ» لصغرهن أو لعدم طرء الحيض عليهن بعد فكذلك عدتهن ثلاثة أشهر «وَأُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ» سواء في ذلك عدة الطّلاق أو الوفاة لاطلاق النّص ولو كان يوما واحدا. روى البخاري الوداع ومسلم عن سبيعة الأسلمية أنها كانت تحت سعد بن خوله فتوفى عنها في حجة الوداع وهي حامل، فلم تنشب أن وضعت حملها بعد وفاته، فلما تعلت من نفاسها نجملت للخطاب، فدخل عليها أبو السّنابل ابن بعلها، فقال لها مالي أراك تجملت للخطاب ترجين النّكاح وأنت بعد في العدة، والله ما أنت بناكح حتى يمر عليك أربعة أشهر وعشرة أيّام، قالت سبيعة فلما قال ذلك جمعت على ثيابي حتى أمسيت أتيت رسول الله صلّى الله عليه وسلم فسألته عن ذلك، فأفتاني بأن قد حللت حين وضعت حملي وأمرني بالتزويج إن بدا لي. وهذا لا يعني أن الآية نزلت وقت السّؤال لأنه واقع في حجة الوداع بل بعد