عنوة ويزيلوا تحصينها لتزداد النّكاية بهم «فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ»(٢) كيف فعل الله بأعدائه فهو فعل عظيم يؤخذ منه عبرة جليلة وعظة خطيرة، وقدمنا في الآية ١٣ من آل عمران المارة أن هذه الآية مصدر أخذ القياس في الأحكام الذي بيناه في الآية ٣٥ من سورة الإسراء ج ١ «وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ» الذي هو أهون عليهم من القتل ورضائهم به «لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا» بأعظم منه وهو الأسر والسّبي والقتل كما فعل في بنى قريظة الّذين حكموا سعدا فيهم، راجع قصتهم المذكورة في الآية ٢٧ من آل عمران المارة تطلع على ما عد خيانة على سفير رسول الله وهذا عذابهم في الدّنيا «وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النَّارِ»(٣) على ما فعلوه بالدنيا «ذلِكَ» الذي كتب عليهم «بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ» بنقضهم العهد وإرادتهم الغدر بحضرة الرّسول «وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ»(٤) إذا عاقب قال تعالى «ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ» نخلة كريمة بسبب دخولكم على أولئك الكفرة «أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللَّهِ» قطعها وتركها لأنكم لا تقتدرون أن تتحركوا بحركة إلّا بعلمه وإرادته «وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ»(٥) المذكورين لأنهم خرجوا عن طاعة الرّسول والقطع الذي وقع كان أثناء الحصار. وسبب نزول الآية هو أن منهم من نهى عن قطع النّخيل تأثما، ومنهم من أمر به تشفيا لما حاكوه من الكيد بحق الرّسول، ولذلك فإن الأصحاب المجاهدين منهم من امتنع، ومنهم من دوام لإغاظة المحصورين وإلجائهم إلى التسليم، فأنزل الله هذه الآية بتصديق نهي الناهي وتحليل قطع القاطع من الإثم. روى البخاري ومسلم عن ابن عمر قال حرق رسول الله صلّى الله عليه وسلم نخل بني النّضير وقطع أشجار البويرة وهي اسم موقع لهم فنزل (ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ) الآية، وفيها قال حسان بن ثابت:
وهان على سراة بني لوي ... حريق بالبويرة مستطير
وهذا والله أعلم قبل إسلامه وإلّا لمدحهم على ذلك، لأن في هذا البيت معنى التأنيب وعدم الرّضى بالفعل. الحكم الشّرعي يجوز هدم حصون الكفار وديارهم وحرقها وتدميرها وقطع أشجارهم وفعل كلّ ما يغيظهم لحملهم على التسليم وإذلالهم