للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وصاروا يضربونه ويعنفونه ويقولون له زنيت! وأرادوا رجمه، فقال لهم أمهلوني أصلي وافعلوا بي ما شئتم فأمهلوه، فصلى وانفتل إلى الغلام، فقال له من أبوك؟

قال الرّاعى، فأقبلوا عليه يعتذرون منه ويستسمحونه وأعادوا له صومعته كما كانت. ولهذا حتى الآن والنّاس يسيئون الظّنّ بعلمائهم والحق معهم، لأن العلماء الآن لا يتورعون عن مخالطة الفسقة من ولاة الأمور وغيرهم، بل صاروا يتنافسون بصحبتهم، وأمثال هؤلاء لا يتسمّون علماء حقيقة لأن العالم من يخشى الله فلا ينافق ولا يداهن، ولهذا فإنه قد يقع من أناس متصفين بهيئة العلماء ما لم يقع من أفسق الفاسقين، فيكثر القول في العلماء العاملين تبعا للضالين من غير تفريق. فلو أن أهل العلم صانوه صانهم من رمي أمثال هؤلاء ولو عظموه فلم يبذلوا أنفسهم لأهل الدنيا لعظمهم في أعينهم، ولكنهم لم يفعلوا ففعل بهم ما أهانهم، فلا حول ولا قوة إلّا بالله، راجع الآية ٢٣ من سورة ابراهيم المارة في ج ٢، والآية ٥٠ من سورة الأنفال المارة فيما يتعلق بكيد الشّيطان مع البشر والآية ٢٩ من سورة يوسف في ج ٢ فيما يتعلق بمن نطق بالمهد. روى أبو هريرة عن النّبي صلّى الله عليه وسلم قال لم يتكلم في المهد إلّا ثلاثة عيسى بن مريم وصاحب جريج والرّضيع الذي قالت له أمه اللهم اجعله مثل هذا. تريد رجلا أعجبها هيئته فترك ثديها وقال اللهم لا تجعلني مثله. في حديث طويل أخرجه مسلم بتمامه والبخاري مفرقا ولم بعد شاهد يوسف في هذا الحديث لاختلاف العلماء فيه كما بيناه في الآية المذكورة من سورته بصورة مفصلة فراجعها. قال تعالى «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ» في أداء ما أوجبه عليكم والتجافي عما نهاكم عنه قبل حلول يوم القيامة لأن الدّنيا يوم وغدها الآخرة فتزودوا من الأعمال الصالحة إليه فينبغي للعاقل أن ينظر ما يقدم لغده من أيّام الدّنيا إن كان خيرا زاد منه، وإن كان غير ذلك أقلع عنه، لأن الدّنيا مزرعة الآخرة وإن كل إنسان يحصد ما يزرعه من حلال وحرام فينال خيره وشره، لا يعزب عن علم الله منه شيء «إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ» (١٨) في هذه الدّنيا سرا وعلانية وما تدخرونه لآخرتكم «وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ» فلم يذكروه في

<<  <  ج: ص:  >  >>