الرامي أي القاذف التعذير فقط، وهو يختلف باختلاف الأشخاص، وإن قذفها بغير الزنى كقوله يا فاسقة يا سارقة يا خبيثة فيكفي فيه شاهدان، وفيه التعذير أيضا، والتعذير إذا كان بالجلد فلا يبلغ أقل الحد أي الأربعين بل دونها ولو بضربة واحدة.
وشروط إحصان القذف الحربة والإسلام والعقل والبلوغ والعفة عن الزنى. والمحصن كالمحصنة في وجوب حد القذف «وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ» أي القاذفين بعد إقدامهم على القذف «شَهادَةً أَبَداً» مدة حياتهم لورودها على التأييد لثبوت فسقهم بقوله تعالى «وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ»(٤) الخارجون عن طاعة الله تعالى.
تدل هذه الآية على أن القذف من الكبائر، وقد عده صلّى الله عليه وسلم من الموبقات السّبع في الحديث الذي رواه الشّيخان وأبو داود والنّسائي بلفظ: اجتنبوا السّبع الموبقات الشرك بالله، والسّحر، وقتل النّفس التي حرم الله إلّا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات.
قال تعالى «إِلَّا الَّذِينَ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَأَصْلَحُوا» أنفسهم وثبت لديكم صلاحهم «فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ»(٥) بعباده الرّاجعين إليه بغفران ذنوبهم السّابقة وإزالة اسم الفسق عنهم وقبول شهادتهم. ويفهم من هذه الآية أن التوبة وحدها لا تكفي من القاذف حتى يقرنها بعمل صالح، وهو كذلك. وقيل لا تقبل شهادتهم ولو تابوا، وإن الاستثناء يرجع إلى قوله (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ) والأول أولى، لأن الاستثناء راجع إلى رد الشّهادة كما قاله عمر وابن عباس وغيرهم من كبار الصحابة، ومن هنا أخذت قاعدة الاسقاط من الحقوق المدنية على مرتكبي الجنايات، وقاعدة رجوع هذه الحقوق إليهم باستحصالهم على قرار من الحكومة، وهذا الحكم الثالث من الآيات البينات، والحكم الرّابع بينه بقوله «وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْواجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَداءُ» على صحة قولهم «إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهادَةُ أَحَدِهِمْ» على رميهم «أَرْبَعُ شَهاداتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ»(٦) في رميه زوجته «وَالْخامِسَةُ» يزيد فيها جملة «أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كانَ مِنَ الْكاذِبِينَ»(٧) فيما رماها به، وبهذا ينجو من إيقاع حد القذف عليه، والحكم الخامس هو «وَيَدْرَؤُا عَنْهَا الْعَذابَ» الحد الذي ترتب عليها بشهادات زوجها المخمسة المقرونة