نهى الله تعالى عباده، بعدم التقدم على نبيه لأن التقدم بين يدي رسوله تقدم بين يدي الله وقد أراد وهو أعلم بهذا التقدم مطلقه فيشمل التقدم بالقول والفعل وهذا من جملة تأديب الله تعالى عباده احتراما لحبيبه صلّى الله عليه وسلم الذي قدمه على خلقه أجمع وقد حذر ومنع جل جلاله في هذه الآية من أن يتكلم أحد قبل أن يتكلم أو يمشي إذا كان معه قبل أن يمشي أو يفعل شيئا ما قبل أن يفعل «وَاتَّقُوا اللَّهَ» في محافظة حقوق نبيكم وتأدبوا بين يديه أي بحضوره، لأن الحاضر أمام الرّجل كأنه واقف أو قاعد بين يديه «إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ» لما تقولونه «عَلِيمٌ»(١) بما تفعلونه وهذه الآية عامة في جميع الأحوال لا يخصصها ما روي عن جابر بأنها نزلت حينما أراد صلّى الله عليه وسلم الذبح يوم الأضحى أي لا تذبحوا قبل أن يذبح لأن أناسا ذبحوا قبله فأمرهم بإعادة الذبح لما روي عن البراء بن عازب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم: أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلي ثم نرجع فننحر فمن فعل هذا فقد أصاب سنتنا ومن ذبح قبل أن يصلي فإنما هو لحم عجله لأهله ليس من النّسك في شيء- أخرجه الترمذي.
ولا يقيده أيضا ما روي عن عائشة رضي الله عنها من أنها نزلت في النّهي عن صوم يوم الشّك لما جاء عن عمار بن ياسر قال: من صام يوم الشّك أي في اليوم الذي يشك فيه النّاس (هل هو من شعبان أو من رمضان) فقد عصى أبا القاسم.
أخرجه أبو داود والترمذي وقال حديث حسن صحيح بل مطلقة جارية على عمومها في كلّ ما من شأنه معنى التقدم عليه صلّى الله عليه وسلم، ومن جملة الآداب التي علمها الله لعباده وأمرهم بها تجاه حضرة رسوله الأعظم قوله:
«يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ» أي تأدبوا عن هذا أيضا لا تفعلوه لأنه ليس مثلكم إلّا في البشرية، أما في غيرها فهو فوق خلق الله أجمع، قال الأبوصيري:
فمبلغ العلم فيه أنه بشر ... وأنه خير خلق الله كلهم
دع ما ادعته النّصارى في نبيهم ... واحكم بما شئت مدحا فيه واحتكم