أي اجتنب هذا وقل في مدحه ما شئت، لذلك يجب عليكم حينما تخاطبونه أن تخاطبوه بصوت منخفض بقدر ما تسمعونه لأن الزيادة على ذلك مخلّة بالأدب معه والاحترام تجاهه والتوقير لمقامه. واعلموا أن جعل كلامكم أعلى من كلامه أو زيادة على الحاجة المقتضية للاسماع نقص للتعظيم المطلوب منكم أمامه، وموجب لوصمكم بقلة الأدب وسوء الأخلاق، ومفض لإحباط أعمالكم ومحق ثوابها، ولهذا قال تعالى «أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ»(٢) بذهاب أجرها بسبب عدم تفخيمكم نبيكم وإخباتكم له، فلو علمتم أن رفع الصّوت والجهر به أمام رسولكم يذهب ثواب أعمالكم ويصفكم بسوء الأدب وأنه يقضي لإزعاج حضرة الرّسول ويؤدي لكراهته لما فعلتموه، ولهذا ينهاكم الله ويحذركم لتتعظوا وتحترزوا من كل ما يؤدي لعدم توقيره. فنقيدوا بهذه الآداب ولا تخطرها لتكونوا على بصيرة من أمركم لقاء نبيكم، لأن هذه الآية تشير إلى ذم من يصدر منهم مثل ذلك، كما أن قوله جل قوله «إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى» تفيد المدح لمن يغض صوته ويخضع له هؤلاء الّذين اختبرهم الله بذلك قد هيأ أفئدتهم لتقراه وجعلها مخلصة له موقنة به «لَهُمْ مَغْفِرَةٌ» لذنوبهم وستر لعيوبهم «وَأَجْرٌ عَظِيمٌ»(٣) عند ربهم.
مطلب في خطيب وشاعر بني تميم وما رد عليهما خطيب وشاعر حضرة الرّسول وفي سرية عتبة الفزاري وسرية الوليد بن عقبة:
قال جابر: إن سبب نزول هذه الآيات هو لما جاء بنو تميم نادوا يا محمد أخرج إلينا، فإن مدحنا زين وذمنا شين، فقال صلّى الله عليه وسلم إنما ذلكم الله الذي مدحه زين وذمه شين، فقالوا جئنا نشاعرك ونفاخرك، قال لا بالشعر ولا بالفخر أمرت، ولكن هاتوا، فقام منهم عطاء بن حاجب فذكر فضله وفضل قومه، فقال صلّى الله عليه وسلم لخطيه ثابت بن قيس أجبه، فأجابه بما أسكته وفند قوله وأثبت أنهم دون ذلك بكثير، ولم يزل به حتى أفحمه وعرّفه أنه دون ما قال، ثم قام شاعرهم الزرقاوي وأنشد بإطراء قومه فقال:
أتيناك كيما يعرف النّاس فضلنا ... إذا خالفونا عند ذكر المكارم