للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أبي معيط إلى بني المصطلق بعد واقعتهم الملح إليها في الآية ٨ من سورة المنافقين المارة، لأخذ صدقاتهم، وكان بينه وبينهم عداوة في الجاهلية، فخرجوا لملاقاته تعظيما لأمر الرّسول، فحدثته نفسه أنهم يريدون قتله، فرجع وقال يا رسول الله أرادوا قتلي، فغضب رسول الله وهمّ بغزوهم، ثم أنهم لمّا رأوا رسول الله رجع دون أن يصل إليهم أو يكلمهم، فطنوا لما كان بينه وبينهم من العداوة فأتوا المدينة، وقالوا يا رسول الله سمعنا بقدوم رسولك فخرجنا نتلقاه إكراما لك فبدا له الرّجوع قبل أن يلقانا، وإنا نعوذ بالله من غضبه وغضبك، فلما سمع قولهم

والعداوة التي ذكروها زال منه بعض ما كان وبعث معهم خالد بن الوليد وقال له خفية عنهم انظر إذا رأيت ما يدل على أنهم مؤمنين فخذ منهم الزكاة وإلا فالسيف، فوافاهم مسمع أذان المغرب والعشاء ولم ير إلّا الطّاعة، فأخذ صدقاتهم وقدم بها على رسول الله وأخبره بالأمر الذي رآه منهم فنزلت وهي كالآيات قبلها عامة في معناها تأمر بالتريث والأناة وترك الاستعجال، والتثبت من الأخبار وعدم الاعتماد على قول الفرد مثل الوليد المذكور، الذي ظن غير ما في نية القوم وتوهم ما ليس يخطر ببالهم بسبب عداوة تصورها في قلبه كانت قبلا فمحاها الإسلام من قلوبهم فأخطأ عليهم بكلام وفعل لم يصدر منهم، ولولا تأتي حضرة الرّسول ومجيئهم إليه وإخبارهم بما وقع من رسوله لوقع فيهم ما لا يحمد ظلما. وإذا كان مثل الوليد يقع منه هذا الغلط عند رسول الله فغيره من باب أولى عند الغير ولا سيما في هذا الزمن الذي قل فيه الأمن وفقدت منه الثقة ومحي فيه الاعتماد وفقد الصدق، وإنما سماه الله تعالى فاسقا لأنه تسارع وأخبر بما لم يتحققه، فكان بعمله هذا خارجا عن الطّمأنينة متجاوزا حدود التأني، قائلا ما لم يسمع، وباهنا قوما غافلين عما خطر بباله. ألا فلينتبه العاقلون، ولينته الجاهلون عن التسرّع فيما ينقل إليهم، وليحققوا حتى لا يتسببوا لظلم البريء بإخبار فاسق، وليسمحوا مهما وجدوا طريقا الصّلح. واعلم أن لفظ فاسق يطلق على من تعدى الحدود وخرج عن ملاك الأمر. قال تعالى «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ» الواجب تعظيمه وتوقيره واحترامه، فاحذروا أن تخبروه بباطل فإن الله مولاه يطلعه على

<<  <  ج: ص:  >  >>