خبايا الأمور وما تكنه الصّدور فيفضحكم ويكشف ستركم ويظهر ضغائنكم «لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ» الذي تحدثونه به ويأخذ برأيكم دون تأن وتروّ «لَعَنِتُّمْ» أنمتم وهلكتم، ولكنه، لم يطعكم، وذلك أن بعض الناس زينوا لحضرة الرّسول الإيقاع ببني المصطلق بسبب إخبار الوليد بأنهم أرادوا قتله مع أن إخباره غير مرتكز على حقيقة، وناشىء عن سوء ظنه وعدم ترويه وتصوره ما لم يكن عند القوم من خوفه الذي استولى على قلبه وارجعه عن تنفيذ أمر الرّسول وسول له ما قاله له، وقد مدح الله حبيبه بقوله «وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ» فتربصتم، ولم تأخذوا بقوله المجرد العاري عن الصّحة، وفعلتم ما علمتم به من خطأ المختبر وصواب التروي والأناة في الأمر، لأن لإيمان الصّادق يمنع صاحبه من العجلة ويأمره بالتأني والمراد بتزيين الإيمان زيادته لأنه يزداد في كلّ لحظة عند المؤمن المخلص حسنا وثباتا ولا يسأم منه بخلاف سائر المحبوبات فإن السّأم قد يلحقها، مثله مثل كتاب الله كلما كررت قراءته ازداد قلبك رغبة فيه بخلاف سائر الكتب، قال الأبوصيري:
فلا تعد ولا تحصى عجائبها ... ولا تسأم على الإكثار بالسأم
يريد أن آيات الله تعالى لا توصف بالملل ومهما كررتها تزداد رغبة فيها على حد قوله:
يزيدك وجهه حسنا ... إذا ما زدته نظرا
«وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيانَ» وهذه الجملة فيها من محسنات البديع المقابلة على حد قوله:
ما أحسن الدّين والدّنيا إذا اجتمعا ... وأقبح الكفر والإفلاس في الرّجل
لأنه قابل كره بحبّب، وزيّن، والفسوق والعصيان بالإيمان، وهذه الكلمات الثلاث جاءت بمقابلة الإيمان الكامل وهو ما اجتمع فيه ثلاثة أمور تصديق بالجنان وإقرار باللسان وعمل بالأركان فذكر جل ذكره بمقابله حبب إلخ ... وهو التصديق بالجنان، وذكر الفسوق الجامع لأنواع الكذب وغيره بمقابلة الإقرار باللسان وذكر