المدينة وجدنا قوما تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوما فإذا هي تراجعني فأنكرت إذا راجعتني، فقالت ما تنكر أن أراجعك، فو الله إن أزواج النّبي يراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى اللّيل، فقلت قد خاب من فعل ذلك منهن وخسر أفتأمن إحداهن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت، فتبسم صلّى الله عليه وسلم، ثم قال عمر فدخلت على حفصة فقلت لا يغرنك أن جارتك هي أوسم وأحب إلى رسول الله منك، فتبسم أخرى، فقلت استأنس يا رسول الله؟ قال نعم، فجلست فرفعت رأسي في البيت، فو الله ما رأيت فيه ما يرد البصر إلّا أهبة (جمع أهاب وهو الجلد) ثلاثة، فقلت يا رسول الله أدع الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والرّوم وهم لا يعبدون الله فاستوى جالسا ثم قال أفي شك أنت يا ابن الخطاب، أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدّنيا، فقلت استغفر لي يا رسول الله وكان أقسم لأن لا يدخل عليهن شهرا من أجل ذلك الحديث الذي أفشته حفصة لعائشة من شدة موجدته أي غضبه الشّديد عليهن حتى عاتبه الله، قال الزهري فأخبرني عروة عن عائشة قالت لما مضت تسع وعشرون دخل علي رسول الله بدأ بي، فقلت يا رسول الله إنك أقسمت أن لا تدخل شهرا وإنك دخلت في تسع وعشرين ليلة أعدهن، قال إن الشّهر يكون تسعا وعشرين، وفي رواية قلت يا رسول الله ما يشق عليك من شأن النساء فإن كنت طلقتهن فإن الله معك وملائكته وجبريل وميكال وأنا وأبو بكر والمؤمنون، فنزلت هذه الآية. هذا ويعلم من قوله تعالى إذ أسرّ إلخ جواز أسرار بعض شأن الرّجل لزوجته أو صديقه ممن يأتمنه ويعتمد عليه، ويلزم ذلك المسر اليه الكتمان. وتشير هذه الآية إلى لزوم حسن معاشرة الزوجة والتلطف بعتابها
عند تقصيرها، ونؤمى أيضا إلى الإعراض عن زلتها. روي أن عبد الله بن رواحة أحد النّقباء كانت له جارية فأتهمته زوجته أنه واقعها حيث رأته معها فأنكر عليها ذلك تعريضا، فقالت له إن كنت صادقا فاقرأ القرآن فأنشد:
شهدت فلم أكذب بأن محمدا ... رسول الذي فوق السّموات من على
وان أبا يحيى ويحيى كلاهما ... له عمل في دينه متقبل