حيث تقدم لكم الإنذار والإعذار في الدّنيا فلا محل له في الآخرة «إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ»(٧) في الدّنيا من الخبائث في هذا اليوم الذي وعدتم به، الذي لا يقبل فيه عذر البتة، واعلم أنه لا يوجد في القرآن مثل صدر هذه الآية قطعا، وهذا من لطفه تعالى، إذ كان نداؤه يا أيها النّاس، يا أيها الّذين آمنوا يا بني آدم، يا أهل الكتاب، بما يشم منه عدم دخول الغير في هذا الخطاب، ولذلك خصصه بالكافرين وله الحمد، ومن عطفه أيضا على المؤمنين أنه أمر نبيه صلّى الله عليه وسلم أن يعاملنا باللطف، إذ قال (ادْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) راجع آخر سورة النّحل في ج ٢ «يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللَّهِ» في هذه الدّنيا من جميع السّيئات «تَوْبَةً نَصُوحاً» صادقة خالصة لا عودة فيها الى الذنب قبل حلول آجالكم، راجع بحث التوبة في الآية ٣٦ من سورة الشّورى المارة في ج ٢ فإذا أتيتم توبة محضة «عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ» بها. واعلم أن عسى هنا وفي كلّ موضع من القرآن تفيد التحقيق كما سيأتي في الآية ١٠٣ من سورة التوبة الآتية «وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ» بل مكرمهم بكرامته راجع الآية ١٩٢ من آل عمران المارة، وحين يمشون على الصراط يوم القيامة يكون «نُورُهُمْ يَسْعى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ» أمامهم «وَبِأَيْمانِهِمْ» من جوانبهم واستغنى بذكر اليمين عن الشّمال اكتفاء به، وإلا فالنور محيط بهم من جميع جوانبهم من الجهات السّت، وإذا رأوا نور المنافقين انطفا، إذ يكون لهم نور كما للمؤمنين بأول الأمر، ثم يسلب منهم زيادة في حسرتهم وأسفهم «يَقُولُونَ رَبَّنا أَتْمِمْ لَنا نُورَنا» اجعله مصاحبا لنا دائما مثل إخواننا المؤمنين الكاملين الّذين هم مع الأنبياء والشّهداء «وَاغْفِرْ لَنا» ما سلف منا «إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»(٨) فيجيب الله دعاءهم، ويبقي المنافقين في الظّلمة المستمرة، أجارنا الله منها، لأن إيمانهم كان صوريا، فيلقون عقابه من جنسه، إذ يريهم النّور ويدخلهم في الظّلمة كما كانوا يظهرون الإيمان ويبطنون الكفر، راجع الآيتين ١٢ و ١٣ من سورة الحديد المارة قال تعالى