هو «فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ» من عباده برحمته ولطفه لا بعمل ولا بقوة قال في الجوهرة:
ولم تكن نبوة مكتسبة ... ولو رقى في الخير أعلى عقدة
وقال تعالى (اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) الآية ١٢٤ من سورة الأنعام ج ٢ «وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ»(٤) على خلقه ومن أعظم فضله عليهم إرسال محمد صلّى الله عليه وسلم لهدايتهم وإنقاذهم من الظّلمات إلى النّور، وأعظم فضله على أنبيائه أن خصهم برسالته، وجعلهم هداة لخلقه. واعلم أن مطلق الفضل يمنّ به الله على من من يشاء من عباده، وقد يكون لسبب اجتهاد العبد سواء كان دنيويا أو أخرويا أما النّبوة فلا تكون بالاجتهاد أبدا ولو قام اللّيل وصام النّهار طول عمره وتصدق بجميع ما عنده. قال تعالى «مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ» فكلفوا علمها والعمل بها من الحمالة بالصدر والقلب لا من الحمل على الظّهر أو الأيدي «ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها» فلم يعملوا بها ولم يقوموا بحقها ولم يؤدوا ما افترضه الله عليهم بها، لأن من علم الشيء ولم يعمل به فكأنه لم يعلمه، فمثله في حالة هذه «كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً» كتبا عظاما جمع سفر وهو الكتاب الكبير الضّخم فوبخهم الله تعالى على مبلغ علمهم فيما أنزله إليهم وصدودهم وحدهم عنه بقوله جل قوله «بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللَّهِ» المنزلة على رسوله لإرشادهم «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ»(٥) أنفسهم لعدم قبولهم نعمة الله وتكذيبهم بآياته ولا يوجد بالقرآن آية مبدوءة بكلمة بئس إلّا هذه والآية ١١ من الحجرات المارة وهذا مثل ضربه الله لليهود والّذين أعرضوا عمّا في التوراة وعن الإيمان بمحمد صلّى الله عليه وسلم، كما أعرضوا عن الإيمان بعيسى عليه السّلام إذ لم ينتفعوا بما فيها ولا بما تلقوه من آثار الأنبياء السّالفين فلم يهتدوا بهديهم، لأن من جملة هدى التوراة والأنبياء الّذين عملوا بها الإيمان بالرسل الّذين يأتون بعد موسى الّذين منهم عيسى ومحمد وقد كفروا بهما، ولذلك شبهوا بالحمار الذي يحمل الكتب على ظهره ولم يدر ما هي فلا ينتفع بها، ولا فرق عنده بين أن يحملها أو يحمل حطبا، وهذا المثل يدخل فيه من يقرأ القرآن ولم يعمل به ولم يفهم مراده من معانيه، ولا