للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

«يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ» أن ترجعوا إليه ثباتا، لأنكم تركتم الكفر وعوائد الجاهلية وركنتم إلى الإسلام وانقطع أملهم منكم، إذ لو بقيتم على عوائدهم لبقي لهم أمل فيكم، لذلك يجب عليكم ترك عاداتهم كلها كما تركتم دينهم الباطل لأنها أشياء باطلة من مخترعاتهم الدّاهية «فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي» أنا الله الذي أحيي وأميت وأجازي وأكافي، لا رب غيري ولا إله سواي يعبد، الحلال ما أحللته والحرام ما حرمته. والجملة نزلت بعرفة في حجة الوداع هي قوله تعالى «الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ» حدوده وأحكامه حلاله وحرامه فرائضه وسننه «وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي» فلم أدع شيئا يتعلق بأمر دينكم ودنياكم إلّا بينته لكم «وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً» من سائر الأديان فلا يقبل منكم غيره (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) الآية ٨٦ من آل عمران المارة. (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ) الآية ١٩ منها أيضا، وهذه الجملة واقعة كالمعترضة بين ما قبلها وما بعدها كسائر الآيات المتقدمة والمتأخرة في النّزول عن سورها فإنها تكون معترضة كذلك «فَمَنِ اضْطُرَّ» لتناول شيء مما حرم عليه «فِي مَخْمَصَةٍ»

شدة جوع فأكل مما حرم عليه لعدم وجود شيء حالة كونه «غَيْرَ مُتَجانِفٍ» مائل «لِإِثْمٍ» مما أكل بأن كان زيادة على سد الرّمق «فَإِنَّ اللَّهَ» الذي رخص لكم هذا «غَفُورٌ رَحِيمٌ» (٣) لا يؤاخذكم على ذلك بل يغفر لكم ذنبكم رحمة يحالكم لأن الضّرورات تبيح المحظورات، أما إذا استعمل الإنسان شيئا من هذه لغير ضرورة أكل أو زيادة على سد الرّمق غير مستحل له فيفسق شرعا لخروجه عن الطّاعة لما حده الله عليه، وإذا استحل شيئا منها يكفر، وقد بيّنا ما يتعلق في هذا وما قبله من المحرمات والمستثنيات في الآية ١٧٤ من سورة البقرة المارة. روى البخاري ومسلم عن طارق بن شهاب قال جاء رجل من اليهود إلى عمر بن الخطاب فقال يا أمير المؤمنين آية في كتابكم لو علينا معشر اليهود نزلت لا تخذنا ذلك اليوم عيدا، قال فأي

آية؟ قال (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) إلخ، فقال عمر: إني لأعلم اليوم الذي نزلت فيه والمكان الذي نزلت فيه، نزلت على رسول الله صلّى الله عليه وسلم بعرفات يوم الجمعة من شهر ذي الحجة سنة

<<  <  ج: ص:  >  >>